الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
116 - قوله: (ص): "وهو أقسام منها: ما أدرج في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كلام بعض رواته. .." إلى آخره.

لم يذكر المصنف من أقسام المدرج إلا أربعة:

قسم في المتن وثلاثة في الإسناد.

وقد قسمه الخطيب الذي صنف فيه إلى سبعة أقسام.

وقد لخصته ورتبته على (الأبواب والمسانيد) [وزدت] على ما ذكره الخطيب أكثر من القدر الذي ذكره.

[ مواضع الإدراج :]

وحاصله /أن الإدراج تارة يقع في المتن وتارة يقع في الإسناد. فأما الذي في المتن فتارة أن يدرج الراوي في حديث النبي /- صلى الله عليه وسلم - شيئا من كلام غيره مع إيهام كونه من كلامه. وهو على ثلاث مراتب:

[ ص: 812 ] [ مراتب الإدراج :]

1- أحدها: أن يكون ذلك في أول المتن وهو نادر جدا.

2- ثانيها: أن يكون في آخره، وهو الأكثر.

3- ثالثها: أن يكون في الوسط، وهو قليل.

ثم قد يكون المدرج من قول الصحابي أو التابعي أو من بعده.

[ وجوه معرفة المدرج :]

والطريق إلى معرفة ذلك من وجوه:

1- الأول: أن يستحيل إضافة ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.

2- الثاني: أن يصرح الصحابي بأنه لم يسمع تلك الجملة من النبي - صلى الله عليه وسلم -.

3- الثالث: أن يصرح بعض الرواة بتفصيل المدرج فيه عن المتن المرفوع فيه بأن يضيف الكلام إلى قائله.

مثال الأول: وهو ما لا تصح إضافته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.

حديث ابن المبارك ، عن يونس ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "للعبد المملوك أجران /".

"والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك" .

[ ص: 813 ] رواه البخاري عن بشر بن محمد عن ابن المبارك .

فهذا الفصل الذي في آخر الحديث لا يجوز أن يكون من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ يمتنع عليه أن يتمنى أن يصير مملوكا - وأيضا فلم يكن له أم يبرها، بل هذا من قول أبي هريرة - رضي الله عنه - أدرج في المتن.

وقد بينه حيان بن موسى عن ابن المبارك ، فساق الحديث إلى قوله "أجران" فقال فيه: "والذي نفس أبي هريرة بيده .." إلى آخره.

وهكذا هو في رواية ابن وهب عند مسلم وهذا من فوائد المستخرجات كما قدمناه.

ومثال الثاني: حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:

"من \مات وهو لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة" .

"ومن مات وهو يشرك بالله شيئا دخل النار" .

هكذا رواه أحمد بن عبد الجبار العطاردي ، عن أبي بكر ابن عياش بإسناده ووهم فيه.

[ ص: 814 ] فقد رواه الأسود بن عامر شاذان وغيره عن أبي بكر بن عياش بلفظ: "سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم – (يقول: من جعل لله عز وجل ندا دخل النار ) وأخرى أقولها - ولم أسمعها منه - صلى الله عليه وسلم -).

من مات لا يجعل لله ندا أدخله الجنة" .

والحديث في "صحيح مسلم " من غير هذا الوجه عن ابن مسعود - رضي الله عنه - ولفظه: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كلمة وقلت أخرى فذكره.

فهذا كالذي قبله في الجزم بكونه مدرجا.

[ ص: 815 ] ومثال الثالث: ما ذكره المصنف من حديث ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - وقوله: "فإذا قلت هذا، فقد قضيت صلاتك" .

ومنه - أيضا - حديث عبد الله بن خيران ، عن شعبة ، عن أنس بن سيرين ، أنه سمع ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - يقول: طلقت امرأتي وهي حائض، فذكر عمر - رضي الله تعالى عنه - ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "مره فليراجعها، فإذا طهرت فليطلقها" قال: فتحتسب بالتطليقة؟

قال: فمه؟

قال الخطيب : "هذا مدرج والصواب أن الاستفهام من قول ابن سيرين ، وأن الجواب من ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما".

[ ص: 816 ] بين ذلك محمد بن جعفر ويحيى بن سعيد القطان ، والنضر بن شميل وفي روايتهم عن شعبة .

قلت: وكذا فصله خالد بن الحارث ، وبهز بن أسد وسليمان بن حرب عن شعبة ، وحديث بعضهم في الصحيحين.

وكذلك رواه مسلم من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن أنس بن سيرين .

قال الخطيب : "ورواه بشر بن عمر الزهراني ، عن شعبة فوهم فيه وهما فاحشا، فإنه قال فيه: "قال عمر - رضي الله عنه -: يا رسول الله.. أفتحتسب بتلك التطليقة؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: نعم" .

قلت: والحكم على هذا القسم الثالث بالإدراج يكون بحسب غلبة ظن المحدث الحافظ الناقد، ولا يوجب القطع بذلك خلاف القسمين الأولين، [ ص: 817 ] وأكثر هذا الثالث يقع تفسيرا لبعض الألفاظ الواقعة في الحديث كما في أحاديث الشغار والمحاقلة والمزابنة.

[ ص: 818 ] والزهو والقزع والنفخ والبعث والغرة وغيرهما.

[ ص: 819 ] والأمر في ذلك سهل لأنه إن ثبت رفعه، فذاك وإلا فالراوي أعرف بتفسير ما روى من غيره.

فأما ما وقع في المتن من كلام الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - مدرجا في كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد ذكرنا أمثلته.

وربما وقع الحكم بالإدراج في حديث ويكون ذلك اللفظ المدرج ثابتا من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - لكن من رواية أخرى كما في حديث أبي موسى : "إن بين يدي الساعة أياما يرفع فيها العلم ويظهر فيها الهرج ، والهرج القتل" .

فصله بعض الحفاظ من الرواة وبين أن قوله: "والهرج القتل من كلام أبي موسى ".

ومع ذلك، فقد ثبت تفسيره بذلك من وجه آخر مرفوعا في حديث [ ص: 820 ] سالم بن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهم- عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.

ومثل ذلك حديث أسبغوا الوضوء. كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

وأما ما وقع من كلام التابعين، فمن بعدهم، فمنه حديث عد الأسماء الحسنى فيما رواه الترمذي ، واستغربه من طريق الوليد بن مسلم ، عن أبي الزناد عن الأعرج ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.

فإن الحديث في الصحيح من طريق شعبة عن أبي الزناد دون ذكر الأسماء.

[ ص: 821 ] فأما سياق الأسماء فيقال: إنها مدرجة في الخبر من كلام الوليد بن مسلم كما ذكرت ذلك بشواهده في الكتاب الذي جمعته فيه.

[ ما أدرج في الحديث من كلام بعض التابعين :]

وأما ما أدرج من كلام بعض التابعين أو من بعدهم في كلام الصحابة - رضي الله عنهم - فمنه حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - في قصة مرضه بمكة واستئذان النبي - صلى الله عليه وسلم - في الوصية، وفيه:

لكن البائس سعد بن خولة - يرثي له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن مات بمكة فإن قوله: "يرثي له.." إلى آخره من كلام الزهري أدرج في الخبر إذ رواه عن عامر بن سعد ، عن أبيه.

وكذلك حديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - الذي رواه مسلم من [ ص: 822 ] طريق زهير وغيره عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن أبي سلمة عنها - رضي الله عنها - قالت: كان يكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان للشغل برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن قوله: "للشغل. .." إلى آخره من كلام يحيى بن سعيد .

كذلك رواه عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج عن يحيى بن سعيد وقال في آخره: "فظننت: أن ذلك لمكانها من النبي - صلى الله عليه وسلم - يحيى بن سعيد يقوله".

ورواه عبد الرزاق عن الثوري بدون الزيادة التي في آخره.

وكذا هو في مسلم من رواية ابن عيينة وعبد الوهاب الثقفي .

ومنه أيضا حديث مالك عن ابن شهاب ، عن ابن أكيمة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال:

[ ص: 823 ] "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة جهر فيها بالقراءة فلما انصرف - صلى الله عليه وسلم - قال: هل جهر معي أحد منكم؟ فقال رجل منهم: نعم! أنا يا رسول الله. قال - صلى الله عليه وسلم -: إني أقول: ما لي أنازع القرآن" .

فانتهى الناس عن القراءة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما جهر فيه من الصلوات .

بين محمد بن يحيى الذهلي وغيره من الحفاظ أن قوله: "فانتهى الناس. .." إلى آخره من كلام الزهري أدرج في الخبر.

[ ص: 824 ] [ الإدراج في أول الخبر :]

وأما ما وقع من الإدراج في أول الخبر فقد ذكر شيخنا مثاله وهو قول أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه -: "أسبغوا الوضوء ويل للأعقاب من النار" .

على أن قوله: "أسبغوا الوضوء" قد ثبت من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث عبد الله بن عمرو في "الصحيح".

وفتشت ما جمعه الخطيب في المدرج ومقدار ما زدت عليه منه فلم أجد له مثالا آخر إلا ما جاء في بعض طرق حديث بسرة الآتي من رواية محمد بن دينار ، عن هشام بن حسان .

[ ص: 825 ] [ الإدراج في وسط الحديث :]

وأما ما وقع في وسطه، فقد نقل شيخنا عن ابن دقيق العيد أنه ضعف الحكم بالإدراج على مثل ذلك.

وقد وقع منه قول الزهري : "والتحنث: التعبد" في حديثه عن عروة ، عن عائشة - رضي الله عنها - في بدء الوحي في قولها فيه: "وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه - وهو التعبد الليالي ذوات العدد. .. " إلى آخر الحديث بطوله فإن قوله: "وهو التعبد" من كلام الزهري أدرج في الحديث من غير تمييز كما أوضحته في الشرح.

وكذلك حديث إبراهيم بن علي التميمي عن مالك بن أنس عن ابن شهاب عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه المغفر - وهو غير محرم فقيل له: إن [ ص: 826 ] ابن خطل متعلق بأستار الكعبة ، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "اقتلوه" فإن قوله: "وهو غير محرم" من كلام الزهري أدرجه هذا الراوي في الخبر.

وقد رواه أصحاب الموطأ بدون هذه الزيادة، وبين بعضهم أنها كلام الزهري .

ومن ذلك حديث ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الطيرة شرك، وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل" .

رواه الترمذي من طريق وكيع عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن عيسى بن عاصم ، عن زر بن حبيش عن عبد الله فذكره.

قال: هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث سلمة وقد رواه شعبة عن سلمة .

[ ص: 827 ] قال: وسمعت محمدا يقول: كان سليمان بن حرب يقول في هذا "وما منا إلا": هذا عندي من قول ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه -.

قلت: رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة مثل حديث وكيع ورواه علي بن الجعد وغندر وحجاج بن محمد ووهب بن جرير والنضر بن شميل وجماعة عن شعبة فلم يذكروا فيه "وما منا إلا".

وهكذا رواه إسحاق بن راهويه عن أبي نعيم ، عن سفيان الثوري .

قلت: والحكم على هذه الجملة بالإدراج متعين وهو يشبه (ما قدمناه) في المدرك الأول للإدراج وهو ما لا يجوز أن يضاف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لاستحالة أن يضاف إليه شيء من الشرك.

ومن ذلك حديث فضالة بن عبيد سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:

"أنا زعيم - والزعيم الحميل - ببيت في ربض الجنة لمن آمن بي وهاجر ..." الحديث.

أشار ابن حبان إلى أن قوله: "والزعيم الحميل" مدرج ومن ذلك [ ص: 828 ] قوله - في حديث عكرمة عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه -: في صفة نزول الوحي: "تنزل الملائكة في العنان - والعنان السحاب ..." الحديث. فإن قوله: "والعنان السحاب" مدرج.

وكذا قوله: في حديث لقيط بن صبرة في قصة وفادته.

قال فيه: "فأتينا بقناع \من رطب - والقناع الطبق ..." الحديث.

فقوله: "والقناع الطبق" مدرج في الخبر.

وقد ذكرت شواهد ذلك جميعه في الكتاب المذكور.

وعلى هذا فتضعيف ابن دقيق العيد للحكم بذلك فيه نظر فإنه إذا ثبت بطريقه أن ذلك من كلام بعض الرواة لا مانع من الحكم عليه بالإدراج.

وفي الجملة إذا قام الدليل على إدراج جملة معينة بحيث يغلب على الظن [ ص: 829 ] ذلك فسواء كان في الأول أو الوسط أو الآخر، فإن سبب ذلك الاختصار من بعض الرواة بحذف أداة التفسير أو التفصيل فيجيء من بعده فيرويه مدمج من غير تفصيل فيقع ذلك.

فقد روينا في كتاب الصلاة لأبي حاتم ابن حبان قال: "ثنا عمر بن محمد الهمداني قال: ثنا أبو بكر الأثرم قال: قال أبو عبد الله: أحمد بن حنبل كان وكيع يقول في الحديث - يعني كذا وكذا - وربما حذف يعني وذكر التفسير في الحديث.

وكذا كان الزهري يفسر الأحاديث كثيرا وربما أسقط أداة التفسير فكان بعض أقرانه ربما يقول له: افصل كلامك من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وقد ذكرت كثيرا من هذه الحكايات وكثيرا من أمثلة ذلك في الكتاب المذكور، واسمه "تقريب المنهج بترتيب المدرج" أعان الله على تكميله وتبييضه إنه على كل شيء قدير.

تنبيه:

استدرك شيخنا على الخطيب قوله: "إن عبد الحميد بن جعفر تفرد عن هشام بزيادة (ذكر الأنثيين والرفغين).

[ ص: 830 ] في حديث بسرة بأن يزيد بن زريع رواه أيضا عن أيوب وهو كما قال إلا أنه مدرج - أيضا -.

والذي أدرجه هو أبو كامل الجحدري راويه عن يزيد .

وقد خالفه عبيد الله بن عمر القواريري وأبو الأشعث أحمد بن المقدام وأحمد بن عبيد الله العنبري وغير واحد فرووه عن يزيد بن زريع مفصولا.

ولفظ الدارقطني من طريق أبي الأشعث عن بسرة أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من مس ذكره فليتوضأ" قال فكان عروة يقول: "إذا مس رفغه أو أنثييه أو ذكره فليتوضأ" .

وذكر شيخنا أن الدارقطني زاد فيه ذكر الأنثيين من رواية ابن جريج - أيضا - عن هشام وهو كما قال، إلا أنه مدرج - أيضا - كما بينه الدارقطني ، وكذا أخرجه الطبراني من رواية ابن جريج . وله طريقان آخران عن هشام بن عروة مدرجان يستدرك بهما على الخطيب أيضا.

[ ص: 831 ] 1- أحدهما: من طريق محمد بن دينار عن هشام عن أبيه عن بسرة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من مس رفغيه أو أنثييه أو ذكره، فلا يصلي حتى يتوضأ" .

2- ثانيهما: رواه ابن شاهين في "كتاب" الأبواب عن ابن أبي داود ويحيى بن صاعد قالا: ثنا محمد بن بشار : ثنا عبد الأعلى ثنا هشام بن حسان ثنا هشام بن عروة عن أبيه فذكر الحديث: "إذا مس أحدكم ذكره أو أنثييه فليعد الوضوء" .

وسيأتي لفظه في النوع الثاني والعشرين إن شاء الله تعالى- ومما يدل على أنه لم يتقنه أن ابن شاهين رواه أيضا عن البغوي (هـ) عن الدقيقي ، عن يزيد بن هارون ، عن هشام بن حسان عن هشام بن عروة بلفظ:

[ ص: 832 ] "إذا مس أحدكم ذكره أو قال فرجه أو قال أنثييه فليتوضأ" . فتردده يدل على أنه ما ضبطه.

وقد فصله حماد بن زيد وأيوب وغير واحد عن هشام ، واقتصر على المرفوع منه فقط وشعبة والثوري وتمام عشرين من الحفاظ. كما بينته في الكتاب المذكور ولله الحمد.

ومن أمثلته أيضا حديث: "ما عزت النية في الحديث إلا لشرفه" .

رواه الخطيب من طريق شبل بن عباد عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - مرفوعا وبين أنه لا أصل له من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما هو من كلام يزيد بن هارون دخل لبعض الرواة فيه إسناد في إسناد.

قلت: وأما مدرج الإسناد فهو على خمسة أقسام:

1- أحدها: أن يكون المتن مختلف الإسناد بالنسبة إلى أفراد رواته، فيرويه راو واحد عنهم، فيحمل بعض رواياتهم على بعض ولا يميز بينها.

2- ثانيها: أن يكون المتن عند الراوي له بالإسناد إلا طرفا منه فإنه عنده بإسناد آخر، فيرويه بعضهم عنه تاما بالإسناد الأول.

3- ثالثها: أن يكون متنان مختلفي الإسناد، فيدرج بعض الرواة شيئا من أحدهما في الآخر، ولا يكون ذلك الشيء من رواية ذلك الراوي، ومن هذه الحيثية، فارق القسم الذي قبله.

وهذه الأقسام الثلاثة قد ذكرها ابن الصلاح .

[ ص: 833 ] (وذكر مثلها عن حميد عن أنس - رضي الله تعالى عنه - ).

إلا أن الأول قد يقع فيه إيهام وصل مرسل أو إيصال منقطع.

مثاله: ما رواه عثمان بن عمر عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبد الرحمن السلمي وعبد الله بن حلام عن عبد الله بن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بيت سودة رضي الله عنها فإذا امرأة على الطريق قد تشوفت ترجو أن يتزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . ..." الحديث.

وفيه: "إذا رأى أحدكم امرأة تعجبه \، فليأت أهله فإن معها مثل الذي معها" .

فظاهر هذا السياق يوهم أن أبا إسحاق رواه عن أبي عبد الرحمن وعبد الله بن حلام جميعا عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه.

وليس كذلك، وإنما رواه أبو إسحاق ، عن أبي عبد الرحمن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا وعن أبي إسحاق عن عبد الله بن حلام ، [ ص: 834 ] عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - متصلا بينه عبيد الله بن موسى وقبيصة ومعاوية بن هشام عن الثوري متصلا.

- رابعها: أن يكون المتن عند الراوي إلا طرفا منه فإنه لم يسمعه من شيخه فيه وإنما سمعه من واسطة بينه وبين شيخه، فيدرجه بعض الرواة عنه فلا تفصيل.

وهذا مما يشترك فيه الإدراج والتدليس.

مثال ذلك حديث إسماعيل بن جعفر ، عن حميد عن أنس - رضي الله تعالى عنه - في قصة العرنيين وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهم: "لو خرجتم إلى إبلنا فشربتم من ألبانها وأبوالها" . ولفظة: "وأبوالها" إنما سمعها حميد من قتادة عن أنس - رضي الله تعالى عنه -.

بينه يزيد بن هارون ومحمد بن أبي عدي ومروان بن معاوية وآخرون.

[ ص: 835 ] كلهم يقول فيه: "فشربتم من ألبانها" قال حميد : قال قتادة عن أنس رضي الله تعالى عنه "وأبوالها". فرواية إسماعيل على هذا فيها إدراج وتسوية والله أعلم.

5- خامسها: أن لا يذكر المحدث متن الحديث، بل يسوق إسناده فقط، ثم يقطعه قاطع فيذكر كلاما فيظن بعض من سمعه أن ذلك الكلام هو متن ذلك الإسناد.

ومثاله: في قصة ثابت بن موسى الزاهد مع شريك القاضي كما مثل به ابن الصلاح لشبه الوضع، وجزم ابن حبان بأنه من المدرج.

[ ص: 836 ] هذه أقسام مدرج الإسناد، والطريق إلى معرفة كونه مدرجا أن تأتي رواية مفصلة للرواية المدرجة وتتقوى الرواية المفصلة، بأن يرويه بعض الرواة مقتصرا على إحدى الجملتين كما روى أحمد من طريق روح بن عبادة ، عن شعبة عن قتادة عن مطرف عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في ركوعه وسجوده "سبوح \قدوس رب الملائكة والروح" .

ورواه أيضا عن سليمان بن حرب وعفان بن مسلم عن شعبة فبين أن قوله: "وسجوده" سمعه شعبة من هشام عن قتادة .

ورواه أيضا عن بهز بن أسد عن شعبة عن قتادة ، فلم يذكر سجوده.

وهكذا رواه جماعة عن شعبة مقتصرين على ذكر الركوع وهم: يزيد بن [ ص: 837 ] زريع ، والنضر بن شميل ، وابن أبي عدي ، وخالد بن الحارث ، ويحيى بن سعيد ، وغيرهم.

قلت: رواه مسلم من طريق أبي داود الطيالسي ، عن شعبة وهشام جميعا عن قتادة ولم يذكر لفظه، لكنه عطفه على حديث سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، وحديث سعيد فيه ذكر الركوع - أيضا - فلم يقع التفصيل في رواية مسلم كما ينبغي.

وهذا مثال القسم الرابع الذي ذكرناه - أيضا - والله سبحانه وتعالى الموفق.

التالي السابق


الخدمات العلمية