الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 7 ] بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                        كتاب الطهارة

                                                                                                                                                                        باب الماء الطاهر

                                                                                                                                                                        قال الله تعالى : ( وأنزلنا من السماء ماء طهورا ) . الفرقان : 48 . المطهر للحدث والخبث من المائعات ، الماء المطلق خاصة ، وهو العاري عن الإضافة اللازمة . وقيل : الباقي على وصف خلقته .

                                                                                                                                                                        وأما المستعمل في رفع حدث ، فطاهر ، وليس بطهور على المذهب . وقيل : طهور في القديم . والمستعمل في نقل الطهارة ، كتجديد الوضوء ، والأغسال المسنونة ، والغسلة الثانية ، والثالثة ، وماء المضمضة ، طهور على الأصح . وأما ما اغتسلت به كتابية عن حيض لتحل لمسلم ، فإن قلنا : لا يجب إعادة الغسل إذا أسلمت ، فليس بطهور . وإن أوجبناها - وهو الأصح - فوجهان ، الأصح أنه ليس بطهور . وما تطهر به لصلاة النفل ، مستعمل ، وكذا ما تطهر به الصبي على الصحيح . والمستعمل الذي لا يرفع الحدث ، لا يزيل النجس على الصحيح . والمستعمل في النجس إذا قلنا : إنه طاهر ، لا يرفع الحدث على الصحيح . ولو جمع المستعمل فبلغ قلتين ، عاد طهورا في الأصح ، كما لو انغمس جنب في قلتين ، فإنه طهور بلا خلاف . ولو انغمس جنب فيما دون قلتين حتى عم جميع بدنه ، ثم نوى ، ارتفعت جنابته بلا خلاف ، وصار الماء في الحال مستعملا بالنسبة إلى غيره على الصحيح . ومقتضى كلام [ ص: 8 ] الأصحاب أنه لا يصير مستعملا بالنسبة إلى المنغمس حتى يخرج منه ، وهو مشكل . وينبغي أن يصير مستعملا لارتفاع الحدث . ولو انغمس فيه جنبان ، ونويا معا بعد تمام الانغماس ، ارتفعت جنابتهما بلا خلاف ، ولو نوى الجنب قبل تمام الانغماس ، إما في أول الملاقاة ، وإما بعد غمس بعض البدن ، ارتفعت جنابة الجزء الملاقي بلا خلاف ، ولا يصير الماء مستعملا ، بل له أن يتم الانغماس ويرفع الحدث على الصحيح المنصوص . وقال الخضري : يصير مستعملا ، فلا ترتفع عن الباقي .

                                                                                                                                                                        قلت : ولو انغمس جنبان ، ونوى أحدهما قبل صاحبه ، ارتفعت جنابة الناوي ، وصار مستعملا بالنسبة إلى الآخر على الصحيح . وإن نويا معا بعد غمس جزء منهما ، ارتفع عن جزءيهما ، وصار مستعملا بالنسبة إلى باقيهما على الصحيح . والله أعلم . وما دام الماء مترددا على العضو ، لا يثبت له حكم الاستعمال .

                                                                                                                                                                        قلت : وإذا جرى الماء من عضو المتوضئ إلى عضو ، صار مستعملا ، حتى لو انتقل من إحدى اليدين إلى الأخرى ، صار مستعملا ، وفي هذه الصورة وجه شاذ محكي في باب التيمم . من ( البيان ) أنه لا يصير ، لأن اليدين كعضو . [ ص: 9 ] ولو انفصل من بعض أعضاء الجنب إلى بعضها ، فوجهان ; الأصح عند صاحبي ( الحاوي ) و ( البحر ) : لا يصير . والراجح عند الخراسانيين يصير ، وبه قطع جماعة منهم . وقال إمام الحرمين : إن نقله قصدا ، صار ، وإلا فلا . ولو غمس المتوضئ يده في الإناء قبل الفراغ من غسل الوجه ، لم يصر مستعملا . وإن غمسها بعد فراغه من الوجه بنية رفع الحدث ، صار مستعملا . وإن نوى الاغتراف ، لم يصر ، وإن لم ينو شيئا ، فالصحيح أنه يصير ، وقطع البغوي بأنه لا يصير . والجنب بعد النية ، كمحدث بعد غسل الوجه . وأما الماء الذي يتوضأ به الحنفي وغيره ممن لا يعتقد وجوب نية [ ص: 10 ] الوضوء ، فالأصح أنه يصير . والثاني : لا يصير . والثالث : إن نوى ، صار ، وإلا فلا ، ولو غسل رأسه بدل مسحه ، فالأصح أنه مستعمل ، كما لو استعمل في طهارته أكثر من قدر حاجته ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية