الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ الأدب ] العاشر : فيما ينقض من قضائه وقضاء غيره ، وذلك يتعلق بقواعد ، إحداها الأصول التي يقضي بها القاضي ، ويفتي بها المفتي كتاب الله تعالى ، وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والإجماع ، والقياس ، وقد يقتصر على الكتاب والسنة ، ويقال : الإجالماع يصدر عن أحدهما ، والقياس يرد إلى أحدهما .

                                                                                                                                                                        وأما قول الواحد من الصحابة - رضي الله عنهم - . فإن لم ينتشر فيهم ، فقولان : القديم أنه حجة ، والجديد [ ص: 147 ] ليس بحجة ، ثم قال أبو بكر الصيرفي والقفال القولان إذا لم يكن معه قياس ، فإن كان معه قياس ولو ضعيف احتج به قطعا ، ورجح على القياس القوي ، وقال الأكثرون في الجميع القولان ، فإن قلنا بالقديم ، وجب الأخذ به ، وترك القياس ، وفي تخصيص العموم به وجهان ، وإن قلنا بالجديد ، فهو كقول آحاد المجتهدين ، لكن لو تعارض قياسان أحدهما وافق قول صحابي ، قال الغزالي : قد تميل نفس المجتهد إلى الموافق ويرجح عنده .

                                                                                                                                                                        قلت : قد صرح الشيخ أبو إسحاق في " اللمع " وغيره من الأصحاب بالجزم بالأخذ بالموافق ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                        وإن انتشر قول الصحابي ، فله ثلاثة أحوال ، أحدها : أن يخالفه غيره ، فعلى الجديد هو كاختلاف سائر المجتهدين ، وعلى القديم هما حجتان تعارضتا ، فإن اختص أحد الطرفين بكثرة عدد ، أو بموافقة أحد الخلفاء الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي - رضي الله عنهم - ترجح ، نص عليه في القديم في غير علي وألحق الجمهور بهم عليا ، ومنهم من لم يلحقه ؛ لأن الثلاثة كانوا في دار الهجرة والصحابة متوافرون ، وكانوا في حكمهم وفتواهم يتشاورون ، وعلي - رضي الله عنه - انتقل إلى الكوفة ، وتفرقت الصحابة .

                                                                                                                                                                        وإن لم يوجد واحد من الأمرين في واحد من الطرفين ، أو وجد في أحدهما أحدهما ، وفي الآخر الآخر ، فهما سواء .

                                                                                                                                                                        ولو كان في أحدهما أبو بكر أو عمر ، وفي الآخر عثمان أو علي - رضي الله عنهم - فهل يستويان ، أم يرجح طرف الشيخين ؟ وجهان . ويشبه أن يجيء مثلهما في تعارض الشيخين ، فيستويان في وجه ، ويقدم طرف أبي بكر - رضي الله عنه - في وجه .

                                                                                                                                                                        الحال الثاني : أن يوافقه سائر الصحابة - رضي الله عنهم - ويقولوا بما قاله ، فهذا إجماع منهم على الحكم ، ولا يشترط فيه انقراض عصر [ ص: 148 ] المجمعين على الأصح ، ولا يتمكن أحدهم من الرجوع ، بل يكون قوله الأول مع قول سائر المجتمعين حجة عليهم ، كما هو حجة على غيرهم .

                                                                                                                                                                        الحال الثالث : أن يسكتوا ، فلا يصرحوا بموافقته ولا مخالفته فاختار الغزالي في " المستصفى " أنه ليس بحجة . والصحيح الذي عليه جماهير الأصحاب أنه حجة ، لأنهم لو خالفوه ، لاعترضوا عليه ، لكن هل هو إجماع أم حجة غير إجماع ؟ وجهان ، قال الروياني : هذا إذا لم يظهر أمارات الرضى ممن سكت ، فإن ظهرت فإجماع بلا خلاف ، قالوا : والأصح هنا اشتراط انقراض العصر في كونه حجة أو إجماعا ، وهل يفرق في كونه حجة وإجماعا بين أن يكون ذلك القول مجرد فتوى ، أو حكما من إمام أو قاض ؟ فيه طرق قال ابن أبي هريرة : فإن كان فتوى ، فحجة ، وإن كان حكما ، فلا ؛ لأن الاعتراض على الإمام ليس من الأدب ، ولعل السكوت لذلك . وقال أبو إسحاق عكسه ؛ لأن الحكم يصدر عن مشاورة ومراجعة ، وقال الأكثرون : لا فرق ، وكانوا يعترضون على الإمام كغيره ، فقد خالفوا أبا بكر - رضي الله عنه - في الحد ، وعمر - رضي الله عنه - في المشركة .

                                                                                                                                                                        ومختصر هذا الاختلاف أوجه ، الصحيح أنه حجة ، والثاني حجة وإجماع ، والثالث ليس بحجة ، والرابع من المفتي حجة ، ومن الحاكم لا ، الخامس عكسه هذا إذا نقل السكوت ، أما إذا لم ينقل قول ولا سكوت ، فيجوز أن لا يلحق بهذا ، ويجوز أن يستدل به على السكوت .

                                                                                                                                                                        قلت : المختار أن عدم النقل كنقل السكوت ؛ لأنه الأصل والظاهر ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية