الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( تتمة ) روى الزهري عن أبي الدرداء رضي الله عنه مرفوعا { إذا سمعتم بجبل زال من مكانه فصدقوا ، وإذا سمعتم برجل زال عن خلقه فلا تصدقوا به فإنه يصير إلى ما جبل عليه } حديث منقطع وهو ثابت إلى الزهري رواه الإمام أحمد . وهذا يؤيد قولهم الطبع غلب التطبع .

وقد روى البيهقي في شعبه عن الأصمعي قال : دخلت البادية فإذا أنا بعجوز بين يديها شاة مقتولة وجرو ذئب مقع ، فنظرت إليها ، فقالت أتدري ما هذا ؟ قلت لا . قالت جرو ذئب أخذناه وأدخلناه بيتنا ، فلما كبر قتل شاتنا ، وقلت في ذلك . قلت ما هو ؟ فأنشدت :

بقرت شويهة وفجعت قوما وأنت لشاتنا ابن ربيب     غذيت بدرها وربيت فينا
فمن أنباك أن أباك ذيب     إذا كان الطباع طباع سوء
فلا أدب يفيد ولا حليب

ويشبه هذا ما ذكره البيهقي في آخر شعب الإيمان أيضا عن أبي عبيدة معمر بن المثنى أنه سأل يونس بن حبيب عن المثل المشهور كمجير أم عامر ، فقال كان من حديثه أن قوما خرجوا إلى الصيد في يوم حار ، فبينما هم كذلك إذ عرضت لهم أم عامر وهي الضبع فطردوها فأتعبتهم فألجئوها إلى خباء أعرابي ، فاقتحمت ، فخرج إليه الأعرابي فقال ما شأنكم ؟ فقالوا صيدنا وطريدتنا . قال كلا والذي نفسي بيده لا تصلون إليها ما ثبت قائم سيفي [ ص: 371 ] بيدي . قال فرجعوا وتركوه فقام إلى لقحة يحلبها وقرب منها ذلك وقرب إليها ماء فأقبلت مرة تلغ من هذا ومرة من هذا حتى عاشت واستراحت . فبينما الأعرابي نائم في جوف بيته إذ وثبت عليه فبقرت بطنه وشربت دمه وأكلت حشوته وتركته فجاء ابن عم له فوجده على تلك الصورة ، فالتفت إلى موضع الضبع فلم يرها . فقال صاحبتي والله وأخذ سيفه وكنانته وأتبعها فلم يزل يتبعها حتى أدركها فقتلها وأنشأ يقول :

ومن يفعل المعروف مع غير أهله     يلاق الذي لاقى مجير أم عامر
أدام لها حين استجارت بقربه     قراها من ألبان اللقاح الغزائر
وأشبعها حتى إذا ما تملأت     فرته بأنياب لها وأظافر
فقيل لذي المعروف هذا جزاء من     غدا يصنع المعروف مع غير شاكر

انتهى . والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية