الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فصل :

[ أعمال العباد أربعة أنواع المقبول منها نوع واحد ]

وقوله : " فإن الله لا يقبل من العباد إلا ما كان له خالصا " والأعمال أربعة : واحد مقبول ، وثلاثة مردودة ; فالمقبول ما كان لله خالصا وللسنة موافقا ، والمردود ما فقد منه الوصفان أو أحدهما ، وذلك أن العمل المقبول هو ما أحبه الله ورضيه ، وهو سبحانه إنما يحب ما أمر به وما عمل لوجهه ، وما عدا ذلك من الأعمال فإنه لا يحبها ، بل يمقتها ويمقت أهلها ، قال تعالى : { الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا } .

قال الفضيل بن عياض : هو أخلص العمل وأصوبه ، فسئل عن معنى ذلك ، فقال : إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل ، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل ، حتى يكون خالصا صوابا فالخالص أن يكون لله ، والصواب أن يكون على السنة ، ثم قرأ قوله : { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } .

فإن قيل : فقد بان بهذا أن العمل لغير الله مردود غير مقبول ، والعمل لله وحده مقبول ; فبقي قسم آخر وهو أن يعمل العمل لله ولغيره ، فلا يكون لله محضا ولا للناس محضا ، فما حكم هذا القسم ؟ هل يبطل العمل كله أم يبطل ما كان لغير الله ويصح ما كان لله ؟ قيل : هذا القسم تحته أنواع ثلاثة ; أحدها : أن يكون الباعث الأول على العمل هو الإخلاص ، ثم يعرض له الرياء وإرادة غير الله في أثنائه ، فهذا المعول فيه على الباعث الأول ما لم يفسخه بإرادة جازمة لغير الله فيكون حكمه حكم قطع النية في أثناء العبادة وفسخها ، أعني قطع ترك استصحاب حكمها ; الثاني : عكس هذا ، وهو أن يكون الباعث الأول لغير الله ، ثم يعرض له قلب النية لله ، فهذا لا يحتسب له بما مضى من العمل ، ويحتسب له من حين قلب نيته ; ثم إن كانت العبادة لا يصح آخرها إلا بصحة أولها وجبت الإعادة ، كالصلاة ، وإلا لم تجب كمن أحرم لغير الله ثم قلب نيته لله عند الوقوف والطواف ; [ ص: 125 ] الثالث : أن يبتدئها مريدا بها الله والناس ، فيريد أداء فرضه والجزاء والشكور من الناس ، وهذا كمن يصلي بالأجرة ، فهو لو لم يأخذ الأجرة صلى ، ولكنه يصلي لله وللأجرة ، وكمن يحج ليسقط الفرض عنه ويقال فلان حج ، أو يعطي الزكاة كذلك ; فهذا لا يقبل منه العمل .

وإن كانت النية شرطا في سقوط الفرض وجبت عليه الإعادة ، فإن حقيقة الإخلاص التي هي شرط في صحة العمل والثواب عليه لم توجد ، والحكم المعلق بالشرط عدم عند عدمه ، فإن الإخلاص هو تجريد القصد طاعة للمعبود ، ولم يؤمر إلا بهذا . وإذا كان هذا هو المأمور به فلم يأت به بقي في عهدة الأمر ; وقد دلت السنة الصريحة على ذلك كما في قوله صلى الله عليه وسلم : { يقول الله عز وجل يوم القيامة : أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، فمن عمل عملا أشرك فيه غيري فهو كله للذي أشرك به } وهذا هو معنى قوله تعالى : { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } .

التالي السابق


الخدمات العلمية