الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              3398 [ 1398 ] وعن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال: كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامي نافع أن أخبرني بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فكتب إلي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جمعة عشية رجم الأسلمي يقول: لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش.

                                                                                              وسمعته يقول: "عصيبة من المسلمين يفتتحون البيت الأبيض بيت كسرى أو آل كسرى".

                                                                                              وسمعته يقول: "إن بين يدي الساعة كذابين، فاحذروهم".

                                                                                              وسمعته يقول: "أنا الفرط على الحوض".

                                                                                              وسمعته يقول: "إذا أعطى الله أحدكم خيرا فليبدأ بنفسه وأهل بيته". 50 وفي رواية: "لا يزال هذا الأمر عزيزا إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش".


                                                                                              رواه أحمد ( 5 \ 90 )، والبخاري (7223)، ومسلم (1821) (8)، و (1822) (10)، والترمذي (2223). [ ص: 8 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 8 ] وقوله: " "لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة "، يعني بالدين: دين الإسلام، وهو الظاهر، ويعني بقوله " قائما " أي: عزيزا ممتنعا، كما جاء مفسرا في الرواية الأخرى.

                                                                                              وقوله: " أو يكون عليكم " قيدناه على من يوثق بتقييده بالنصب، وتكون " أو " بمعنى (إلى أن)، كقوله:


                                                                                              فقلت له لا تبك عينك إنما نحاول ملكا أو نموت فنعذرا



                                                                                              وقد دل على هذا الرواية الأخرى، وهي قوله: " "لا يزال هذا الأمر عزيزا إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش" "؛ يعني به أنه لا تزال عزة دين الإسلام قائمة إلى اثني عشر خليفة من قريش ، وقد اختلف فيهم على ثلاثة أقوال:

                                                                                              أحدها: أنهم خلفاء العدل؛ كالخلفاء الأربعة وعمر بن عبد العزيز ، ولا بد من ظهور من يتنزل منزلتهم في إظهار الحق والعدل حتى يكمل ذلك العدد، وهو أولى الأقوال عندي.

                                                                                              وثانيها: أن هذا إخبار عن الولايات الواقعة بعده وبعد أصحابه، وكأنه أشار بذلك إلى مدة ولاية بني أمية ، ويعني بالدين الملك والولاية، وهو شرح الحال [ ص: 9 ] في استقامة السلطنة لهم، لا على طريق المدح.

                                                                                              وقد يقال: الدين على الملك؛ كما قال:


                                                                                              لئن حللت بجو من بني أسد في دين عمرو وحالت بيننا فدك



                                                                                              وقيل: ذلك في قوله تعالى: ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك [يوسف: 76].

                                                                                              ثم عدد هذا القائل ملوكهم فقال: أولهم يزيد بن معاوية ، ثم أتبعه معاوية بن يزيد - وقال: ولم يذكر ابن الزبير لأنه صحابي، ولا مروان لأنه غاصب لابن الزبير - ثم عبد الملك ، ثم الوليد ، ثم سليمان ، ثم عمر بن عبد العزيز ، ثم يزيد بن عبد الملك ، ثم هشام بن عبد الملك ، ثم الوليد بن يزيد ، ثم يزيد بن الوليد ، ثم إبراهيم بن الوليد ، ثم مروان بن محمد . فهؤلاء اثنا عشر، ثم خرجت الخلافة منهم إلى بني العباس.

                                                                                              وثالثها: أن هذا خبر عن اثني عشر خليفة من قريش يجتمعون في زمان واحد في آفاق مختلفة كما قد وقع، فقد كان بالأندلس منهم في عصر واحد بعد أربعمائة وثلاثين سنة ثلاثة كلهم يدعيها ويلقب بها، ومعهم صاحب مصر وخليفة بغداد ، فكذلك يجوز أن يجتمع الاثنا عشر خليفة في العصر الواحد، وقد دل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم: "سيكون خلفاء فتكثر"، وكل محتمل، والأول أولاها لبعده عن الاعتراض.

                                                                                              [ ص: 10 ] وقوله: " عصيبة من المسلمين يفتتحون البيت الأبيض بيت كسرى "، العصيبة تصغير العصابة، وهي الجماعة من الناس، قيل: أقلهم أربعون. ويحتمل أن يكون هذا التصغير للمفتتحين لقلة من يباشر فتح البيت - أعني بيت كسرى - فإنه يروى أن سعد بن أبي وقاص خاض دجلة - وهي مطلع إلى دار كسرى - فما بلغ الماء إلى حزام الفرس ، وما ذهب للمسلمين شيء، ووجدوا قبابا مملوءة سلالا فيها آنية الذهب والفضة، ووجدوا كافورا كثيرا فظنوه ملحا فعجنوا به فوجدوا مرارته، وكان في بيوت كسرى ثلاثة آلاف ألف ألف ألف دينار - ثلاث مرات.

                                                                                              ويحتمل أن يكون تصغيرهم بالنسبة إلى عدوهم، ويحتمل أن يكون تصغيرهم على جهة التعظيم، كما قالوا:


                                                                                              دويهية تصفر منها الأنامل



                                                                                              ووصف بيت كسرى بالأبيض لأنه كان مبنيا بالجص ومزخرفا بالفضة، والله تعالى أعلم.

                                                                                              وقوله: " إن بين يدي الساعة كذابين "، هذا يفسره الحديث الآخر الذي قال فيه: "لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابون، كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين".

                                                                                              [ ص: 11 ] وقوله: " إذا أعطى الله أحدكم خيرا فليبدأ بنفسه وأهل بيته "، " خيرا " يعني به مالا، وهذا كما قال في الحديث الآخر: "ابدأ بمن تعول"، وكقوله في حديث آخر: "إذا أنعم الله على عبد نعمة أحب أن يرى أثر نعمته عليه".

                                                                                              ومعنى هذا الأمر: الابتداء بالأهم فالأهم والأولى فالأولى، وقد بينا هذا المعنى في كتاب الزكاة.

                                                                                              وقوله: " أنا الفرط على الحوض " بفتح الراء، وهو المتقدم إلى الماء ليهيئه ويصلحه، وهو الفارط أيضا.

                                                                                              والفرط - بسكون الراء - السبق والتقدم.




                                                                                              الخدمات العلمية