الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل [ المفهوم وأقسامه ]

والمفهوم ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق . وهو قسمان : مفهوم موافقة ، ومفهوم مخالفة .

فالأول : ما يوافق حكمه المنطوق ، فإن كان أولى سمي فحوى الخطاب كدلالة فلا تقل لهما أف [ الإسراء : 23 ] على تحريم الضرب لأنه أشد ، وإن كان مساويا سمي لحن الخطاب ؛ أي معناه كدلالة إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما [ النساء : 10 ] على تحريم الإحراق ؛ لأنه مساو للأكل في الإتلاف .

واختلف هل دلالة ذلك قياسية أو لفظية مجازية أو حقيقية ؟ على أقوال بيناها في كتبنا الأصولية .

والثاني : ما يخالف حكمه المنطوق ، وهو أنواع : مفهوم صفة ؛ نعتا كان أو حالا أو ظرفا أو عددا ، نحو : إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا [ الحجرات : 6 ] مفهومه أن غير الفاسق لا يجب التبين في خبره ، فيجب قبول خبر [ ص: 19 ] الواحد العدل . ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد [ البقرة : 187 ] . الحج أشهر معلومات [ البقرة : 197 ] ؛ أي : فلا يصح الإحرام به في غيرها . فاذكروا الله عند المشعر الحرام [ البقرة : 198 ] ؛ أي : فالذكر عند غيره ليس محصلا للمطلوب . فاجلدوهم ثمانين جلدة [ النور : 4 ] ؛ أي : لا أقل ولا أكثر .

وشرط ، نحو : وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن [ الطلاق : 6 ] ؛ أي : فغير أولات الحمل لا يجب الإنفاق عليهن .

وغاية ، نحو : فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره [ البقرة : 230 ] ؛ أي : فإذا نكحته تحل للأول بشرطه .

وحصر ، نحو : لا إله إلا الله [ الصافات : 35 ] ، إنما إلهكم الله [ طه : 98 ] ؛ أي : فغيره ليس بإله ، فالله هو الولي [ الشورى : 9 ] ؛ أي : فغيره ليس بولي ، لإلى الله تحشرون [ آل عمران : 158 ] ؛ أي : لا إلى غيره . إياك نعبد [ الفاتحة : 5 ] ؛ أي : لا غيرك .

واختلف في الاحتجاج بهذه المفاهيم على أقوال كثيرة والأصح في الجملة أنها كلها حجة بشروط .

منها : أن لا يكون المذكور خرج للغالب ، ومن ثم لم يعتبر الأكثرون مفهوم قوله : وربائبكم اللاتي في حجوركم [ النساء : 23 ] ، فإن الغالب كون الربائب في حجور الأزواج فلا مفهوم له لأنه إنما خص بالذكر لغلبة حضوره في الذهن .

وأن لا يكون موافقا للواقع ومن ثم لا مفهوم لقوله : ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به [ المؤمنون : 117 ] ، وقوله : لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين [ آل عمران : 28 ] ، وقوله : ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا [ النور : 33 ] ، والاطلاع على ذلك من فوائد معرفة أسباب النزول .

فائدة : قال بعضهم : الألفاظ إما أن تدل بمنطوقها أو بفحواها ومفهومها أو باقتضائها وضرورتها أو بمعقولها المستنبط منها ، حكاه ابن الحصار : وقال : هذا كلام حسن .

قلت : فالأول : دلالة المنطوق ، والثاني : دلالة المفهوم ، والثالث : دلالة الاقتضاء ، والرابع : دلالة الإشارة .

التالي السابق


الخدمات العلمية