الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

قال : الدرجة الثانية : تسليم العلم إلى الحال : والقصد إلى الكشف ، والرسم إلى الحقيقة .

أما تسليم العلم إلى الحال فليس المراد منه : تحكيم الحال على العلم ، حاشا الشيخ من ذلك ، وإنما أراد : الانتقال من الوقوف عند صور العلم الظاهرة إلى معانيها وحقائقها الباطنة ، وثمراتها المقصودة منها ، مثل الانتقال من محض التقليد والخبر إلى العيان واليقين . حتى كأنه يرى ويشاهد ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم ، كما قال تعالى : ( ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ) . وقال تعالى : ( أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى ) . وينتقل من الحجاب إلى الكشف ، فينتقل من العلم إلى اليقين ، ومن اليقين إلى عين اليقين . ومن علم الإيمان إلى ذوق طعم الإيمان ووجدان حلاوته . فإن هذا قدر زائد على مجرد علمه . ومن علم التوكل إلى حاله ، وأشباه ذلك .

فيسلم العلم الصحيح إلى الحال الصحيح . فإن سلطان الحال أقوى من سلطان العلم . فإذا كان الحال مخالفا للعلم فهو ملك ظالم . فليخرج عليه بسيف العلم ، وليحكمه فيه .

وأما تسليم القصد إلى الكشف فليس معناه : أن يترك القصد عن معاينة [ ص: 150 ] الكشف . فإنه متى ترك القصد خلع ربقة العبودية من عنقه . ولكن يجعل قصده سائرا طالبا لكشفه يؤمه . فإذا وصل إليه سلمه إليه . وصار الحكم للكشف ؛ إذ القصد آلة ووسيلة إليه . فإن كان كشفا صحيحا مطابقا للحق في نفسه : كشف له عن آفات القصد ، ومفسداته ، ومصححاته وعيوبه . فأقبل على تصحيحه بنور الكشف . لا أن صاحب القصد ترك القصد لأجل الكشف فهذا سير أهل الإلحاد ، الناكبين عن سبيل الحق والرشاد .

وأما ترك الرسم إلى الحقيقة فإنه يشير به إلى الفناء . فإن من جملة تسليم صاحب الفناء : تسليم ذاته ليفنى في شهود الحقيقة . فإن ذات العبد هي رسم . والرسم تفنيه الحقيقة ، كما يفني النور الظلمة ؛ لأن عند أصحاب الفناء : أن الحق سبحانه لا يراه سواه . ولا يشاهده غيره . لا بمعنى الاتحاد ، ولكن بمعنى : أنه لا يشاهده العبد حتى يفنى عن إنيته ورسمه ، وجميع عوالمه ، فيفنى من لم يكن . ويبقى من لم يزل . هذا كإجماع من الطائفة ، بل هو إجماع منهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية