الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1031 حدثنا خلف بن القاسم ، قال : حدثنا محمد بن أحمد بن المسور ، قال : حدثنا مطلب بن شعيب ، حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثنا الليث ، عن سعيد بن عبد الرحمن الجمحي ، عن مالك بن أنس ، عن طلحة بن عبد الملك الأيلي ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه .

التالي السابق


حدثنا خلف بن القاسم ، قال : حدثنا محمد بن أحمد بن أحمد بن يحيى ، قال : حدثنا محمد بن أيوب الرقي ، قال : حدثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق ، قال : حدثنا [ ص: 91 ] عمرو بن علي ( وعمر بن علي ) المقدمي ، قال : حدثنا عبيد الله بن عمر ، ومالك بن أنس ، عن طلحة بن عبد الملك ، عن قاسم عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه .

وحدثنا خلف بن القاسم الحافظ ، قال : حدثنا الحسن بن أبي هلال ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : حدثنا عمرو بن علي ، قال : حدثنا عبد الله بن إدريس ، عن مالك ، قال : حدثنا طلحة بن عبد الملك ، عن القاسم عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه .

وحدثنا خلف بن القاسم ، حدثنا عبد الله بن جعفر [ ص: 92 ] حدثنا يوسف بن يزيد ، حدثنا عبد الله بن عبد الحكم أخبرنا مالك ، عن طلحة بن عبد الملك ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فذكره سواء .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا بكر بن حماد ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن مالك ، عن طلحة بن عبد الملك ، عن القاسم عن عائشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه .

وأخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف ، قال : أخبرنا يوسف بن أحمد أبو يعقوب الصيدلاني بمكة ، قال : حدثنا أبو جعفر محمد بن عمرو بن موسى العقيلي ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : أخبرنا مالك بن أنس ، عن طلحة بن عبد الملك ، عن القاسم عن عائشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه .

قال : العقيلي ، وحدثنا محمد بن إسماعيل ، قال : حدثنا محمد بن فضيل ، قال : حدثنا ابن نمير ، قال : حدثنا عبيد [ ص: 93 ] الله بن عمر ، عن طلحة بن عبد الملك ، عن القاسم عن عائشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله .

وحدثنا خلف بن قاسم ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله ، قال : حدثنا ابن منيع ، قال : حدثنا خلف بن هشام البزار سنة ست وعشرين ومائتين ، قال : قيل لمالك بن أنس ، وأنا أسمع : حدثك طلحة بن عبد الملك ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه . ؟ فقال مالك : نعم .

وحدثنا خلف بن القاسم ، قال : حدثنا أبو الطاهر محمد بن أحمد بن عبد الله القاضي ، قال : حدثنا محمد بن يحيى ، قال : سمعت خلف بن هشام البزار يقول : قيل لمالك بن أنس ، وأنا أسمع : حدثك طلحة بن عبد الملك الأيلي ، عن القاسم ( بن محمد ) عن عائشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ؟ فقال مالك : نعم .

وحدثني محمد بن قاسم بن عيسى المقرئ ، قال : حدثنا عبيد الله بن محمد بن حبابة ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ، قال : حدثنا خلف بن هشام [ ص: 94 ] البزار ، قال : قيل لمالك بن أنس ، وأنا أسمع : حدثك طلحة بن عبد الملك الأيلي ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ؟ فقال مالك : نعم .

حدثنا عبد الرحمن بن يحيى ، قال : حدثنا الحسن بن الخضر الأسيوطي ، وحدثنا خلف بن القاسم ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عثمان بن أبي التمام ، وأحمد بن محمد بن موسى بن عيسى الحضرمي ، قالوا : حدثنا أحمد بن شعيب النسائي ، قال : أخبرنا قتيبة بن سعيد ، عن مالك ، عن طلحة بن عبد الملك ، عن القاسم عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه .

قال أبو عمر :

زعم قوم أن هذا الحديث لم يروه عن القاسم بن محمد إلا طلحة بن عبد الملك هذا ، وقد وجدناه لمحمد بن أبان ، عن القاسم بن محمد مثله : حدثني سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق ، قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم ، قال : حدثنا أبان بن يزيد [ ص: 95 ] قال : حدثني يحيى بن أبي كثير ، عن محمد بن أبان ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من نذر أن يعصي الله فلا يعصه .

وحدثنا محمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى ، قال : حدثنا محمد بن أيوب بن حبيب ، قال : حدثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق ، قال : حدثنا هدبة بن خالد ، قال : حدثنا أبان بن يزيد ، قال : حدثنا يحيى بن أبي كثير ، عن محمد بن أبان ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله سواء ، ليس فيه ذكر الطاعة .

ومحمد بن أبان هذا هو محمد بن أبان المزني اليمامي ليس هو محمد بن أبان بن صالح الكوفي ، ذاك ضعيف عندهم ، وقيل إن محمد بن أبان هذا لم يرو عنه إلا يحيى بن أبي كثير ، وهو مجهول ، وقال آخرون : هو مدني معروف روى عنه الأوزاعي أيضا وله عن القاسم وعروة وعون بن عبد الله رواية ، وهذا هو الصحيح [ ص: 96 ] وهو شيخ يمامي ثقة ، وحسبك برواية يحيى بن أبي كثير والأوزاعي عنه .

وفي هذا الحديث من الفقه ما يرد قول العراقيين فيمن نذر معصية أن عليه كفارة يمين مع تركها ، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر في هذا الحديث بكفارة لمن نذر المعصية ، وإنما أمر بترك المعصية لا غير .

وأما حديث ابن شهاب ، عن أبي سلمة ، عن عائشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لا نذر في معصية , وكفارته كفارة يمين . فحديث منكر عند جماعة أهل العلم بالحديث ، وإنما انفرد به عن الزهري سليمان بن أرقم ، وسليمان بن أرقم متروك الحديث عند جميعهم ، وكذلك أيضا حديث عمران بن حصين في ذلك لا يصح ، لأنه يدور على محمد بن الزبير الحنظلي ، وهو ضعيف , في حديثه مناكير لا يختلفون في ذلك [ ص: 97 ] وعلى ما ذكرت لك أن لا كفارة على من نذر معصية إلا تركها ، فقهاء الحجازيين منهم مالك والشافعي ومن تابعهم .

. وفي هذا الحديث من الفقه أن كل من جعل على نفسه نذرا أن يعصي الله كالجاعل عليه إن الله شفى مريضه ، أو رد غائبه ، أو نحو ذلك أن يشرب الخمر ، أو يقتل ، أو يزني ، أو يظلم أحدا , ونحو ذلك من المعاصي صغائرها وكبائرها , وكالقائل مبتدئا : لله علي أن أقتل فلانا ، أو أشهد عليه بزور ، أو أبغي عليه وأشفي غيظي بأذاه ، وما أشبه ذلك من قليل المعاصي وكثيرها - فلا يلزمه شيء في ذلك كله ، لأنه من خطوات الشيطان ، وعليه تركه فرضا واجبا ، ولا كفارة عليه غير ذلك بظاهر هذا الحديث ، لأنه لم يأمره فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - بكفارة ، وكذلك من نذر ما ليس بطاعة فليس عليه الوفاء به عند مالك ، ولا كفارة عليه ، وقال مالك في تأويل هذا الحديث : إن حلف أن يمشي إلى الشام ، أو إلى مصر , وأشباه ذلك مما ليس فيه طاعة , فليس عليه في ذلك شيء ، لأنه ليس لله تعالى فيه طاعة . وأما قول مالك فيمن قال : أنا أحمل هذا العمود أو غيره [ ص: 98 ] إلى مكة طلب المشقة : فليحج غير حامل شيئا ويهدي - فقد أنكروا عليه إيجاب الهدي في هذا ومثله ، وقد مضى القول في هذه المسألة في باب ثور بن زيد ، والحمد لله .

وقد اختلف الصحابة والتابعون وسائر الفقهاء في مسائل من هذا الباب ؛ نحو قول الإنسان : علي نذر أن أنحر ابني عند مقام إبراهيم ، وما أشبه ذلك . واختلف أيضا فيه قول مالك ، والذي يوجبه ظاهر هذا الحديث أن لا شيء عليه ، وهو الصواب من القول في ذلك ، والله أعلم .

( وسنذكر اختلاف العلماء في هذا الباب وحجة كل فرقة منهم إن شاء الله في غير هذا الموضع ) .

وأما من نذر شيئا لله فيه طاعة فواجب عليه الإتيان به كالصلاة ، والصيام ، والصدقة ، والعتق ، وما أشبه ذلك من طاعة الله ، وهذا ما لا خلاف بين علماء المسلمين فيه ، ويشد ذلك قول الله - عز وجل - : ياأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود وتأويل ذلك : العقود التي لا معصية فيها ، لبيان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك .

[ ص: 99 ] فمن قال : لله علي نذر إن لم أشرب الخمر ، ولم أقتل فلانا ، فإنما هو رجل نذر نذرا لم يجعل له مخرجا , إن سلمه الله من قتل فلان ، أو من شرب الخمر فعليه أن يفي بنذره ، وكل نذر لا مخرج له ، ولا نية لصاحبه فكفارته كفارة يمين ، ثبتت بذلك السنة ، وعلى ذلك جمهور علماء الأمة فأغنى عن الإكثار فيه ، وقد ذكرناه مجودا في باب ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله ، والحمد لله .

وقد أثنى الله تعالى على قوم كانوا يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا .

ومن نذر ما لا معصية فيه ، ولا طاعة فقد اختلف الفقهاء في ذلك ؛ فقال قوم : واجب عليه الإتيان بذلك ، لأنه مباح ، وقال آخرون : لا يجب عليه من النذر إلا ما كان لله فيه طاعة ، وقصة أبي إسرائيل من حديث جابر وابن عباس تدل على صحة هذا القول ، وقد ذكرنا ذلك في باب ثور بن زيد من كتابنا هذا وبالله تعالى التوفيق .

[ ص: 100 ] ( قال أبو عمر ) :

لم يفت يحيى بن يحيى في الموطإ حديث من أحاديث الأحكام مما رواه غيره في الموطإ إلا حديث طلحة بن عبد الملك هذا ، وسائر ما رواه غيره من الأحاديث في الموطإ إنما هي أحاديث من أحاديث الجامع ونحوه ليست في أحكام ، وأكثرها أو كلها معلولة مختلف فيها عن مالك ، وقد توبع يحيى ، تابعه جماعة من رواة الموطإ على سقوط كل ما أسقط من تلك الأحاديث من الموطإ إلا حديث طلحة هذا وحده ، وما عداه فقد تابعه على سقوطه من الموطإ قوم ، وخالفه آخرون ، وقد ذكرنا ذلك في آخر هذا الباب ، ويحيى آخرهم عرضا ، وما سقط من روايته فعن اختيار مالك وتمحيصه ، والله أعلم .




الخدمات العلمية