الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      فصل : وقد دخل فيما ذكرناه من الإيمان بالله الإيمان بما أخبر الله به في كتابه ، وتواتر عن رسوله ، وأجمع عليه سلف الأمة ، من أنه سبحانه فوق سماواته ، على عرشه ، علي على خلقه ، وهو سبحانه معهم أينما كانوا ، يعلم ما هم عاملون ؛ كما جمع بين ذلك في قوله : [ ص: 60 ] هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير ، وليس معنى قوله : ( وهو معكم ) أنه مختلط بالخلق ؛ فإن هذا لا توجبه اللغة ، بل القمر آية من آيات الله من أصغر مخلوقاته ، وهو موضوع في السماء ، وهو مع المسافر وغير المسافر أينما كان .

      وهو سبحانه فوق عرشه ، رقيب على خلقه ، مهيمن عليهم ، مطلع عليهم إلى غير ذلك من معاني ربوبيته .

      وكل هذا الكلام الذي ذكره الله من أنه فوق العرش وأنه معنا حق على حقيقته ، لا يحتاج إلى تحريف ، ولكن يصان عن الظنون الكاذبة ، مثل أن يظن أن ظاهر قوله : ( في السماء ) ، أن السماء تظله أو تقله ، وهذا باطل بإجماع أهل العلم والإيمان ؛ فإن الله قد وسع كرسيه السماوات والأرض ، وهو يمسك السماوات والأرض أن تزولا ، ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه ، ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره .

      فصل : وقد دخل في ذلك الإيمان بأنه قريب مجيب كما جمع بين ذلك في قوله : وإذا سألك عبادي عني فإني قريب الآية ، وقوله صلى الله عليه وسلم : إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته .

      وما ذكر في الكتاب والسنة من قربه ومعيته لا ينافي ما ذكر من علوه وفوقيته ؛ فإنه سبحانه ليس كمثله شيء في جميع نعوته ، وهو علي في دنوه ، قريب في علوه .

      [ ص: 61 ] ومن الإيمان بالله وكتبه الإيمان بأن القرآن كلام الله ، منزل ، غير مخلوق ، منه بدأ ، وإليه يعود ، وأن الله تكلم به حقيقة ، وأن هذا القرآن الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم هو كلام الله حقيقة ، لا كلام غيره .

      ولا يجوز إطلاق القول بأنه حكاية عن كلام الله ، أو عبارة ؛ بل إذا قرأه الناس أو كتبوه في المصاحف لم يخرج بذلك عن أن يكون كلام الله تعالى حقيقة ، فإن الكلام إنما يضاف حقيقة إلى من قاله مبتدئا ، لا إلى من قاله مبلغا مؤديا .

      وهو كلام الله ؛ حروفه ، ومعانيه ، ليس كلام الله الحروف دون المعاني ، ولا المعاني دون الحروف .

      وقد دخل أيضا فيما ذكرناه من الإيمان به وبكتبه وبملائكته وبرسله : الإيمان بأن المؤمنين يرونه يوم القيامة عيانا بأبصارهم كما يرون الشمس صحوا ليس بها سحاب ، وكما يرون القمر ليلة البدر لا يضامون في رؤيته ، يرونه سبحانه وهم في عرصات القيامة ، ثم يرونه بعد دخول الجنة كما يشاء الله تعالى .

      التالي السابق


      الخدمات العلمية