الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        صفحة جزء
                        [ ص: 121 ] الفصل الثاني :

                        في حكم ما نقل آحادا

                        اختلف في المنقول آحادا هل هو قرآن أم لا ؟

                        فقيل : ليس بقرآن ; لأن القرآن مما تتوفر الدواعي على نقله ، لكونه كلام الرب سبحانه ، وكونه مشتملا على الأحكام الشرعية ، وكونه معجزا ، وما كان كذلك فلا بد أن يتواتر ، فما لم يتواتر ليس بقرآن .

                        هكذا قرر أهل الأصول دليل التواتر ، وقد ادعى تواتر كل واحدة من القراءات السبع ، وهي قراءة أبي عمرو ونافع وعاصم وحمزة والكسائي وابن كثير وابن عامر دون غيرها ، وادعى أيضا تواتر القراءات العشر ، وهي هذه مع قراءة يعقوب وأبي جعفر وخلف ، وليس على ذلك أثارة من علم فإن هذه القراءات كل واحدة منها منقولة نقلا آحاديا ، كما يعرف ذلك من يعرف أسانيد هؤلاء القراء لقراءاتهم ، وقد نقل جماعة من القراء الإجماع على أن في هذه القراءات ما هو متواتر ، وفيها ما هو آحاد ، ولم يقل أحد منهم بتواتر كل واحدة من السبع ، فضلا عن العشر ، وإنما هو قول قاله بعض أهل الأصول ، وأهل الفن أخبر بفنهم .

                        [ ص: 122 ] والحاصل : أن ما اشتمل عليه المصحف الشريف ، واتفق عليه القراء المشهورون فهو قرآن ، وما اختلفوا فيه ، فإن احتمل رسم المصحف قراءة كل واحد من المختلفين مع مطابقتها للوجه الإعرابي ، والمعنى العربي ، فهي قرآن كلها ، وإن احتمل بعضها دون بعض ، فإن صح إسناد ما لم يحتمله ، وكانت موافقة للوجه الإعرابي ، والمعنى العربي ، فهي الشاذة ولها حكم أخبار الآحاد في الدلالة على مدلولها ، وسواء كانت من القراءات السبع أو من غيرها .

                        وأما ما لم يصح إسناده مما لم يحتمله الرسم فليس بقرآن ، ولا منزل منزلة أخبار الآحاد .

                        أما انتفاء كونه قرآنا فظاهر ، وأما انتفاء تنزيله منزلة أخبار الآحاد ، فلعدم صحة إسناده ، وإن وافق المعنى العربي ، والوجه الإعرابي ، فلا اعتبار بمجرد الموافقة مع عدم صحة الإسناد ، وقد صح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبر بأن القرآن أنزل على [ ص: 123 ] سبعة أحرف ، وصح عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : أقرأني جبريل على حرف فلم أزل أستزيده حتى أقرأني على سبعة أحرف ، والمراد بالأحرف السبعة : لغات العرب ؛ فإنها بلغت إلى سبع لغات ، اختلفت في قليل من الألفاظ ، واتفقت في غالبها ، فما وافق لغة من تلك اللغات فقد وافق المعنى العربي والإعرابي ، وهذه المسألة محتاجة إلى بسط تتضح به حقيقة ما ذكرنا ، وقد أفردناها بتصنيف مستقل فليرجع إليه .

                        وقد ذكر جماعة من أهل الأصول في هذا البحث ما وقع من الاختلاف بين القراء في البسملة ، وكذلك ما وقع من الاختلاف فيها بين أهل العلم . هل هي آية من كل سورة ، أو آية من الفاتحة فقط ، أو آية مستقلة أنزلت للفصل بين كل سورتين ، أو ليست بآية ، ولا هي من القرآن ؟ وأطالوا البحث في ذلك ، وبالغ بعضهم فجعل هذه المسألة من مسائل الاعتقاد ، وذكرها في مسائل أصول الدين .

                        والحق أنها آية من كل سورة لوجودها في رسم المصاحف ، وذلك هو الركن الأعظم في إثبات القرآنية للقرآن ، ثم الإجماع على ثبوتها خطا في المصحف في أوائل السورة ، ولم يخالف في ذلك من لم يثبت كونها قرآنا من القراء وغيرهم .

                        وبهذا الإجماع حصل الركن الثاني وهو النقل مع كونه نقلا إجماعيا بين جميع الطوائف .

                        وأما الركن الثالث : وهو موافقتها للوجه الإعرابي والمعنى العربي فذلك ظاهر .

                        إذا تقرر لك هذا علمت أن نفي كونها من القرآن مع تسليم وجودها في الرسم مجرد دعوى غير مقبولة ، وكذلك دعوى كونها آية واحدة أو آية من الفاتحة مع تسليم [ ص: 124 ] وجودها في الرسم في أول كل سورة ، فإنها دعوى مجردة عن دليل مقبول تقوم به الحجة .

                        وأما ما وقع من الخلاف في كونها تقرأ في الصلاة ، أو لا تقرأ ؟ وعلى القول بكونها تقرأ هل يسر بها مطلقا أو تكون على صفة ما يقرأ بعدها من الإسرار في السرية والجهر في الجهرية ؟ فلا يخفاك أن هذا خارج عن محمل النزاع ، وقد اختلفت الأحاديث في ذلك اختلافا كثيرا ، وقد بسطنا القول في ذلك في رسالة مستقلة ، وذكرنا في شرح المنتقى ما إذا رجعت إليه لم تحتج إلى غيره .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية