الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( ومن شرط صحة صلاة الجنازة الطهارة ، وستر العورة ; لأنها صلاة فشرط فيها الطهارة وستر العورة كسائر الصلوات ، ومن شرطها القيام واستقبال القبلة ; لأنها صلاة مفروضة فوجب فيها القيام واستقبال القبلة مع القدرة كسائر الفرائض ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) اتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على أنه يشترط لصحة صلاة الجنازة طهارة الحدث ، وطهارة النجس في البدن والثوب والمكان وستر العورة واستقبال القبلة إلا في شدة الخوف ، وأما القيام ( فالصحيح ) المشهور الذي نص عليه الشافعي ، وقطع به الجمهور أنه ركن لا تصح إلا به إلا في شدة الخوف ، وفيه وجهان آخران للخراسانيين : ( أحدهما ) : أنه يجوز القعود فيها مع القدرة على القيام كالنوافل ; لأنها ليست من فرائض الأعيان ، خرجوه من إباحة جنائز بتيمم واحد ( والثاني ) : إن تعينت عليه لم يصح إلا قائما ، وإلا صحت قاعدا ، وقد سبق بيان المسألة مبسوطة في باب التيمم ، قال أصحابنا : ويشترط لصحتها تقديم غسل الميت ، وهذا لا خلاف فيه . قال المتولي وغيره : حتى لو مات في بئر أو انهدم عليه معدن وتعذر إخراجه وغسله [ ص: 181 ] لم يصل عليه ، وتصح الصلاة بعد غسله قبل تكفينه ويكره . صرح به البغوي وآخرون ( فرع ) قول المصنف : ومن شرطها القيام قد ينكر عليه تسميته شرطا ، والصواب أنه ركن وفرض ، كما قال المصنف والأصحاب في سائر الصلوات وكأنه سماه شرطا مجازا لاشتراك الركن والشرط في أن الصلاة لا تصح إلا بهما ، وقد سمى أبو حامد قراءة الفاتحة هنا شرطا وهو مجاز ، كما ذكرنا ( وقوله ) ; لأنها صلاة مفروضة احتراز من نافلة السفر ( وقوله ) : مع القدرة ، احتراز من فريضة شدة الخوف .



                                      ( فرع ) ذكرنا أن مذهبنا أن صلاة الجنازة لا تصح إلا بطهارة ، ومعناه إن تمكن من الوضوء لم تصح إلا به ، وإن عجز تيمم ، ولا يصح التيمم مع إمكان الماء وإن خاف فوت الوقت ، وبه قال مالك وأحمد وأبو ثور وابن المنذر ، وقال أبو حنيفة : يجوز التيمم لها مع وجود الماء إذا خاف فوتها إن اشتغل بالوضوء وحكاه ابن المنذر عن عطاء وسالم والزهري وعكرمة والنخعي وسعد بن إبراهيم ويحيى الأنصاري وربيعة والليث والثوري والأوزاعي وإسحاق وأصحاب الرأي وهي رواية عن أحمد وقال الشعبي ومحمد بن جرير الطبري والشيعة : يجوز صلاة الجنازة بغير طهارة مع إمكان الوضوء والتيمم ; لأنها دعاء ، قال صاحب الحاوي وغيره هذا الذي قاله الشعبي قول خرق به الإجماع ، فلا يلتفت إليه ، دليلنا على اشتراط الطهارة قول الله عز وجل { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا } فسماه صلاة وفي الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم { صلوا على صاحبكم } وقوله صلى الله عليه وسلم { من صلى على جنازة } وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة في تسميتها صلاة وقد قال الله عز وجل { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم } " الآية وفي الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم { لا يقبل الله صلاة بغير طهور } ; ولأنها لما افتقرت إلى شروط الصلاة دل على أنها صلاة ، وكون معظم مقصودها الدعاء لا يخرجها عن كونها صلاة . ودليلنا على أبي حنيفة وموافقيه قوله تعالى { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم } إلى قوله تعالى { فلم تجدوا ماء فتيمموا } ، وهذا عام في الصلاة [ ص: 182 ] الجنازة وغيرها ، حتى يثبت تخصيص ، وقد سبقت المسألة في باب التيمم وبالله التوفيق .




                                      الخدمات العلمية