الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              3259 [ 1827 ] وعن إياس بن سلمة، عن أبيه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة، فأصابنا جهد، حتى هممنا أن ننحر بعض دوابنا، فأمر نبي الله صلى الله عليه وسلم، فجمعنا أزوادنا، فبسطنا له نطعا، فاجتمع زاد القوم على النطع، قال: فتطاولت لأحزره كم هو، فحزرته كربضة العنز، ونحن أربع عشرة مائة، قال: فأكلنا حتى شبعنا جميعا، ثم حشونا جربنا، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: فهل من وضوء؟. قال: فجاء رجل بإداوة، وفيها نطفة، فأفرغها في قدح، فتوضأنا كلنا، ندغفقه دغفقة، أربع عشرة مائة. قال: ثم جاء بعد ذلك ثمانية، فقالوا: هل من طهور؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فرغ الوضوء.

                                                                                              رواه مسلم (1729).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و(قوله: فجمعنا أزوادنا ): هذه الرواية الواضحة المحفوظة، وقد وقع [ ص: 203 ] لبعضهم: (تزوادنا) بالتاء باثنتين من فوقها، بفتح التاء وكسرها، وهو اسم من الزاد; كالتسيار والتمثال، ووقع لبعضهم: (مزاودنا)، والأول أوجه، وأصح.

                                                                                              و(قوله: فحزرته كربضة العنز ) أي: قدرته مثل جثة العنز، فحقه على هذا أن يكون مضموم الراء; لأنه اسم، وكذلك حفظي عمن أثق به، فيكون: كـ (ظلمة) و(غرفة). وقد روي بكسر الراء، ذهب فيه مذهب الهيئات، كـ (الجلسة)، و(المشية). وقد روي بفتح الراء، وهي أبعدها; لأنه حينئذ يكون مصدرا، ولا يحزر المصدر، ولا يقدر.

                                                                                              و(النطفة): القطرة، ومراده بها هنا القليل من الماء، يقال: نطف الماء ينطف; أي: قطر.

                                                                                              و( ندغفقه دغفقة ) أي: نأخذ منه ونصب على أيدينا صبا شديدا.

                                                                                              و(الجرب): جمع جراب، وهي الأوعية التي يجعل فيها الزاد، وتسمى أيضا: مزاود.

                                                                                              وهذا الحديث قد اشتمل على معجزتين من معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - في الطعام والشراب، وقد وقع ذلك منه مرات كثيرة، وروي من طرق عديدة، ووقع منه في جموع كثيرة، ومشاهد عظيمة; فهي من معجزاته المتواترة، وكراماته المتظاهرة، وقد بينا ذلك في كتابنا في "الرد على النصارى".




                                                                                              الخدمات العلمية