الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( وإن اصطدمت سفينتان ، فغرقتا : ضمن كل واحد منهما سفينة الآخر وما فيها ) . هكذا أطلق كثير من الأصحاب . قال المصنف وغيره : محله إذا فرط . قال الحارثي : إن فرط ضمن كل واحد سفينة الآخر وما فيها . وإن لم يفرط فلا ضمان على واحد منهما . حكاه المصنف في كتابيه ، ومن عداه من الأصحاب ونص الإمام أحمد رحمه الله على نحوه من رواية أبي طالب . مع أن إطلاق المتن لا يقتضيه . غير أن الإطلاق مقيد بحالة التفريط التي قدمناها . على ما ذهب إليه الأصحاب من غير خلاف علمته بينهم . انتهى . وقال في الفروع : وإن اصطدمت سفينتان فغرقتا : ضمن كل واحد منهما متلف الآخر وفي المغني : إن فرطا . وقاله في المنتخب ، وأنه ظاهر كلامه . انتهى . وجزم بما قاله الحارثي في الرعاية وغيرها .

تنبيه : حيث قلنا بالضمان ، فيضمن كل واحد منهما سفينة الآخر وما فيها . كما قال المصنف . وهو المذهب . وعليه الأصحاب . وقال الحارثي ، قال الشافعي رحمه الله : على كل واحد منهما نصف الضمان لاشتراكهما في السبب . فإنه حصل من كل واحد بفعله وفعل صاحبه . فكان مهدرا في حق نفسه ، مضمونا في حق الآخر . كما في التلف من جراحة نفسه وجراحة غيره . قال الحارثي : وهذا له قوة . [ ص: 245 ] قوله ( وإن كانت إحداهما منحدرة : فعلى صاحبها ضمان المصعدة إلا أن يكون غلبه ريح ، فلم يقدر على ضبطها ) . وهذا المذهب . نص عليه . وعليه جماهير الأصحاب . وقطع به في المغني ، والشرح ، والفائق ، والحارثي ، وغيرهم من الأصحاب . وفي الواضح وجه : لا تضمن منحدرة . وقال في الترغيب : السفينة كدابة ، والملاح : كراكب .

تنبيه : قال الحارثي : سواء فرط المصعد في هذه الحالة أو لا ، على ما صرح به في الكافي . وأطلقه الأصحاب ، والإمام أحمد رحمه الله . وقال في المغني : إن فرط المصعد ، بأن أمكنه العدول بسفينته ، والمنحدر غير قادر ولا مفرط : فالضمان على المصعد . لأنه المفرط . قال الحارثي : وهذا صريح في أن المصعد يؤاخذ بتفريطه . فائدتان : إحداهما : يقبل قول الملاح : إن تلف المال بغلبة ريح . ولو تعمد الصدم : فشريكان في إتلاف كل منهما ، ومن فيهما . فإن قتل في الغالب : فالقود ، وإلا شبه عمد . ولا يسقط فعل المصادم في حق نفسه مع عمد . ولو حرقها عمدا أو شبهه ، أو خطأ : عمل على ذلك . قاله في الفروع . وقال الحارثي : إن عمد ما لا يهلك غالبا : فشبه عمد . وكذا ما لو قصد إصلاحها ، فقطع لوحا . أو أصلح مسمارا ، فخرق موضعا . حكاه القاضي وغيره . وقال المصنف في المغني : والصحيح أنه خطأ محض . لأنه قصد فعلا مباحا . وهل يضمن من ألقى عدلا مملوءا بسفينة فغرقها وما فيها ، أو نصفه ، أو بحصته ؟ قال في الرعاية ، وتبعه في الفروع : يحتمل أوجها . [ ص: 246 ] قلت : هي شبيهة بما إذا جاوز بالدابة مكان الإجارة . أو حملها زيادة على المأجور ، فتلفت . أو زاد على الحد سوطا . فقتله . والصحيح من المذهب هناك : أنه يضمنه جميعه على ما تقدم . ويأتي في كلام المصنف ، في كتاب الحدود . فكذلك هنا . وجزم في الفصول : أنه يضمن جميع ما فيها . ذكره في أثناء الإجارة . وجعله أصلا لما إذا زاد على الحد سوطا في وجوب الدية كاملة وكذلك المصنف في المغني : جعلها أصلا في وجوب ضمان الدابة كاملة ، إذا جاوز بها مكان الإجارة ، أو زاد على الحد سوطا . ولو أشرفت على الغرق : فعلى الركبان إلقاء بعض الأمتعة حسب الحاجة . ويحرم إلقاء الدواب ، حيث أمكن التخفيف بالأمتعة . وإن ألجأت ضرورة إلى إلقائها : جاز . صونا للآدميين . والعبيد : كالأحرار . وإن تقاعدوا عن الإلقاء مع الإمكان : أثموا . وهل يجب الضمان ؟ فيه وجهان . اختار المصنف وغيره عدمه .

والثاني : يضمن . وأطلقهما الحارثي . ولو ألقى متاعه ، ومتاع غيره : فلا ضمان على أحد . ذكره الأصحاب . قاله الحارثي . وإن امتنع من إلقاء متاعه : فللغير إلقاؤه من غير رضاه ، دفعا للمفسدة . لكن يضمنه . قاله القاضي في المجرد ، وابن عقيل في الفصول ، والمصنف في المغني ، وغيرهم . قال الحارثي : وعن مالك رضي الله عنه : لا يضمن . اعتبارا بدفع الصائل . قال : ويتخرج لنا مثله . بناء على انتفاء الضمان بما لو أرسل صيدا من يد محرم . قلت : وهذا هو الصواب . [ ص: 247 ] وتقدم في آخر الضمان بعض ذلك . ومسائل أخر تتعلق بهذا . فليعاود .

الثانية : لو كانت إحداهما واقفة ، والأخرى سائرة : فعلى قيم السائرة ضمان الواقفة ، إن فرط ، وإلا فلا . ذكره المصنف ، والقاضي ، والشارح ، وصاحب الفروع ، وغيرهم . ويأتي في كلام المصنف ، في أوائل كتاب الديات " إذا اصطدم نفسان ، أو أركب صبيين فاصطدما ، ونحوهما " .

التالي السابق


الخدمات العلمية