الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( وكذلك الحكم : إن وطئ اثنان امرأة بشبهة ، أو جارية مشتركة بينهما في طهر واحد ، أو وطئت زوجة رجل ، أو أم ولده بشبهة ، وأتت بولد يمكن أن يكون منه . فادعى الزوج أنه من الواطئ : أري القافة معهما ) . هذا المذهب . وعليه جماهير الأصحاب . وجزم به في الوجيز وغيره . وقدمه في المغني ، والشرح ، والفروع ، والفائق ، وغيرهم . وسواء ادعياه أو جحداه أو أحدهما . ذكره القاضي وغيره . وشرط أبو الخطاب في وطء الزوجة : أن يدعي الزوج أنه من الشبهة . فعلى قوله : إن ادعاه لنفسه : اختص به لقوة جانبه . وفي الانتصار : رواية مثل ذلك . ونقل أبو الحارث في امرأة رجل غصبت ، فولدت عنده . ثم رجعت إلى زوجها كيف يكون الولد للفراش في مثل هذا ؟ إنما يكون له إذا ادعاه . وهذا لا يدعيه ، فلا يلزمه . وقيل : إن عدمت القافة : فهو لرب الفراش . ويأتي في آخر اللعان : هل للزوج ، أو للسيد نفيه ، إذا ألحق به ، أو بهما ؟ قوله ( ولا يقبل قول القائف إلا أن يكون ذكرا عدلا مجربا في الإصابة ) . يشترط في القائف : أن يكون عدلا مجربا في الإصابة . بلا نزاع . ومعنى كونه عدلا مجربا في الإصابة على ما قاله القاضي ومن تابعه بأن يترك الصبي بين عشرة رجال من غير من يدعيه ، ويريهم إياه . فإن ألحقه بواحد [ ص: 460 ] منهم : سقط قوله لتبين خطئه . وإن لم يلحقه بواحد منهم : أريناه إياه مع عشرين فيهم مدعيه . فإن ألحقه به : لحقه . ولو اعتبر بأن يرى صبيا معروف النسب مع قوم فيهم أبوه أو أخوه . فإن ألحقه بقريبه : عرفت إصابته . وإن ألحقه بغيره سقط قوله : جاز . وهذه التجربة عند عرضه على القافة للاحتياط في معرفة إصابته . ولو لم نجربه بعد أن يكون مشهورا بالإصابة ، وصحة المعرفة في مرات كثيرة : جاز .

تنبيه : ظاهر كلام المصنف : أنه لا يشترط حرية القائف . وهو المذهب . وهو ظاهر كلامه في الكافي ، والوجيز ، والمنور ، والهداية ، والمذهب ، والخلاصة ، وغيرهم . ذكروه فيما يلحق من النسب . وقدمه في الفروع . قال الحارثي : وهذا أصح . وقيل : تشترط حريته . وجزم به القاضي ، وصاحب المستوعب ، والمصنف ، والشارح . وذكره في الترغيب عن الأصحاب . قال في القواعد الأصولية : الأكثرون على أنه كحاكم . فتشترط حريته . وقدمه في الرعاية الكبرى ، والحاوي الصغير . وأطلقهما في المحرر ، والنظم ، والرعاية الصغرى ، والفائق ، والزركشي . فعلى الأول : يكون بمنزلة الشاهد . وعلى الثاني : يكون بمنزلة الحاكم . وجزم في الترغيب : أنه تعتبر فيه شروط الشهادة .

فوائد

الأولى : يكفي قائف واحد . على الصحيح من المذهب . نص عليه في رواية أبي طالب ، وإسماعيل بن سعيد . واختاره القاضي ، وصاحب المستوعب . وصححه في النظم . [ ص: 461 ] وقدمه في الرعايتين ، والفروع ، والحاوي الصغير . وعنه : يشترط اثنان . نص عليه في رواية محمد بن داود المصيصي ، والأثرم ، وجعفر بن محمد . وقدمه في الفائق ، وشرح ابن رزين . وأطلقهما في القواعد الأصولية ، والحارثي في شرحه ، والكافي ، والزركشي وظاهر الشرح : الإطلاق . وخرج الحارثي الاكتفاء بقائف واحد عند العدم من نصه على الاكتفاء بالطبيب والبيطار ، إذا لم يوجد سواه ، وأولى . فإن القائف أعز وجودا منهما .

تنبيه : هذا الخلاف مبني عند كثير من الأصحاب على أنه : هل هو شاهد أو حاكم ؟ فإن قلنا : هو شاهد : اعتبرنا العدد . وإن قلنا : هو حاكم : فلا . وقال جماعة من الأصحاب : ليس الخلاف مبنيا على ذلك . بل الخلاف جار ، سواء قلنا : القائف حاكم أو شاهد . لأنا إن قلنا : هو حاكم . فلا يمتنع التعدد في الحكم ، كما يعتبر حاكمان في جزاء الصيد . وإن قلنا : شاهد . فلا تمتنع شهادة الواحد كما في المرأة . حيث قبلنا شهادتها وشهادة الطبيب ، والبيطار . وقالت طائفة من الأصحاب : هذا الخلاف مبني على أنه شاهد ، أو مخبر . فإن جعلناه شاهدا : اعتبرنا التعدد . وإن جعلناه مخبرا : لم نعتبر التعدد كالخبر في الأمور الدينية .

الثاني : القائف كالحاكم . عند أكثر الأصحاب . قاله في القواعد الأصولية ، والحارثي . وقطع به في الكافي . وقيل : هو كالشاهد . وهو الصحيح على ما تقدم . وأكثر مسائل القائف مبنية على هذا الخلاف . [ ص: 462 ]

الثالثة : هل يشترط لفظ " الشهادة " من القائف ؟ قال في الفروع بعد القول باعتبار الاثنين : ويعتبر منهما لفظ " الشهادة " نص عليه . وكذا قال في الفائق . قال في القواعد الأصولية : وفيه نظر . إذ من أصلنا قبول شهادة الواحد في مواضع . وعلى المذهب : يعتبر لفظ الشهادة . انتهى . قلت : في تنظيره نظر . لأن من نقل عن الأصحاب كصاحب الفروع ، وغيره إنما نقلوا ذلك عن الإمام أحمد رحمه الله . وقد روى الأثرم أنه قال : لا يقبل قول واحد ، حتى يجتمع اثنان . فيكونا شاهدين . وإذا شهد اثنان من القافة ، أنه لهذا : فهو له . وكذا قال في رواية محمد بن داود المصيصي . فالذي نقل ذلك قال : يعتبر من الاثنين لفظ " الشهادة " وهو موافق للنص ولا يلزم من ذلك أنه لا يعتبر لفظ " الشهادة " في الواحد . ولا عدمه . غايته : أنه اقتصر على النص . فلا اعتراض عليه في ذلك . وقال في الانتصار : لا يعتبر لفظ " الشهادة " ولو كانا اثنين كما في المقومين .

الرابعة : لو عارض قول اثنين قول ثلاثة فأكثر . أو تعارض اثنان : سقط الكل . وإن اتفق اثنان ، وخالف ثالث : أخذ بقول الاثنين . نص عليه ، ولو رجعا . فإن رجع أحدهما : لحق بالآخر . قال في المنتخب : ومثله بيطاران ، وطبيبان ، في عيب .

الخامسة : يعمل بالقافة في غير بنوة ، كأخوة وعمومة ، عند أصحابنا . وعند أبي الخطاب : لا يعمل بها في غير البنوة . كإخبار راع بشبه . [ ص: 463 ] وقال في عيون المسائل ، في التفرقة بين الولد والفصيل : لأنا وقفنا على مورد الشرع ، ولتأكد النسب ، لثبوته مع السكوت .

السادسة : نفقة المولود على الواطئين . فإذا لحق بأحدهما : رجع على الآخر بنفقته . ونقل صالح ، وحنبل : أرى القرعة والحكم بها . يروى عنه عليه أفضل الصلاة والسلام " أنه أقرع في خمس مواضع . فذكر منها : إقراع علي رضي الله عنه في الولد بين الثلاثة الذين وقعوا على الأمة في طهر واحد " ولم ير هذا في رواية الجماعة . لاضطرابه . وقال ابن القيم رحمه الله ، في الهدي : القرعة تستعمل عند فقدان مرجح سواها : من بينة ، أو إقرار ، أو قافة . قال : وليس ببعيد تعيين المستحق في هذه الحال بالقرعة . لأنها غاية المقدور عليه من ترجيح الدعوى . ولها دخول في دعوى الأملاك التي لا تثبت بقرينة ، ولا أمارة . فدخولها في النسب الذي يثبت بمجرد الشبه الخفي المستند إلى قول قائف : أولى .

التالي السابق


الخدمات العلمية