الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل [ ص: 320 ] قال : ولا يصح ذلك إلا بأن يعلم : أن النجاة في البصيرة ، والاستقامة بعد الثقة . وأن البينة وراء الحجة .

يقول : إن ما ذكرناه من التواضع للدين بهذه الأمور الثلاثة :

الأولى : علمه أن النجاة من الشقاء والضلال : إنما هي في البصيرة . فمن لا بصيرة له : فهو من أهل الضلال في الدنيا . والشقاء في الآخرة .

والبصيرة نور يجعله الله في عين القلب ، يفرق به العبد بين الحق والباطل ، ونسبته إلى القلب : كنسبة ضوء العين إلى العين .

وهذه البصيرة وهبية وكسبية . فمن أدار النظر في أعلام الحق وأدلته ، وتجرد لله من هواه : استنارت بصيرته . ورزق فرقانا يفرق به بين الحق والباطل .

الثاني : أن يعلم أن الاستقامة إنما تكون بعد الثقة ، أي لا يتصور حصول الاستقامة في القول والعمل والحال ، إلا بعد الثقة بصحة ما معه من العلم . وأنه مقتبس من مشكاة النبوة . ومن لم يكن كذلك فلا ثقة له ولا استقامة .

الثالث : أن يعلم أن البينة وراء الحجة . والبينة مراده بها : استبانة الحق وظهوره . وهذا إنما يكون بعد الحجة إذا قامت استبان الحق وظهر واتضح .

وفيه معنى آخر . وهو : أن العبد إذا قبل حجة الله بمحض الإيمان والتسليم والانقياد : كان هذا القبول هو سبب تبينها وظهورها ، وانكشافها لقلبه . فلا يصبر على بينة ربه إلا بعد قبول حجته .

وفيه معنى آخر أيضا : أنه لا يتبين له عيب عمله من صحته إلا بعد العلم الذي هو حجة الله على العبد . فإذا عرف الحجة اتضح له بها ما كان مشكلا عليه من علومه ، وما كان معيبا من أعماله .

وفيه معنى آخر أيضا : وهو أن يكون " وراء " بمعنى أمام . والمعنى : أن الحجة إنما تحصل للعبد بعد تبينها . فإذا لم تتبين له لم تكن له حجة . يعني فلا يقنع من الحجة بمجرد حصولها بلا تبين . فإن التبين أمام الحجة . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية