الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والحاصل أن أبا حنيفة النعمان من أعظم معجزات المصطفى [ ص: 56 ] بعد القرآن ، وحسبك من مناقبه اشتهار مذهبه ما قال قولا إلا أخذ به إمام من الأئمة الأعلام ، وقد جعل الله الحكم لأصحابه وأتباعه من زمنه إلى هذه الأيام ، إلى أن يحكم بمذهبه عيسى عليه السلام ، [ ص: 57 ] وهذا يدل على أمر عظيم اختص به من بين سائر العلماء العظام ، كيف لا وهو كالصديق رضي الله عنه ، له أجره وأجر [ ص: 58 ] من دون الفقه وألفه وفرع أحكامه على أصوله العظام ، إلى يوم الحشر والقيام . وقد اتبعه على مذهبه كثير من الأولياء الكرام ، ممن اتصف بثبات المجاهدة ، وركض في ميدان المشاهدة كإبراهيم بن أدهم وشقيق البلخي ومعروف الكرخي وأبي يزيد البسطامي وفضيل بن عياض وداود الطائي ، [ ص: 59 ] وأبي حامد اللفاف وخلف بن أيوب وعبد الله بن المبارك ووكيع بن الجراح وأبي بكر الوراق ، وغيرهم ممن لا يحصى لبعده أن يستقصى ، فلو وجدوا فيه شبهة ما اتبعوه ، ولا اقتدوا به ولا وافقوه .

التالي السابق


( قوله : من أعظم معجزات إلخ ) لأنه صلى الله عليه وسلم [ ص: 56 ] قد أخبر به قبل وجوده بالأحاديث الصحيحة التي قدمناها ، فإنها محمولة عليه بلا شك كما قدمناه عن الشامي صاحب السيرة وشيخه السيوطي ، كما حمل حديث { لا تسبوا قريشا فإن عالمها يملأ الأرض علما } على الإمام الشافعي ، لكن حمله بعضهم على ابن عباس رضي الله تعالى عنه ، وهو حقيق بذلك ، فإنه حبر الأمة وترجمان القرآن ، وكما حمل حديث { يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم فلا يجدون أعلم من عالم المدينة } على الإمام مالك ، لكنه محتمل لغيره من علماء المدينة المنفردين في زمنهم ، بخلاف تلك الأحاديث فإنها ليس لها محمل إلا أبو حنيفة وأصحابه كما أفاده ط .

وأما سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه فهو وإن كان أفضل من أبي حنيفة من حيث الصحبة ، فلم يكن في العلم والاجتهاد ونشر الدين وتدوين أحكامه كأبي حنيفة ، وقد يوجد في المفضول ما لا يوجد في الفاضل ، وسمي ذلك معجزة بناء على أن المراد بالتحدي في تعريف المعجزة هو دعوى الرسالة وهو قول المحققين كما في المواهب وقيل المراد به طلب المعارضة والمقابلة ، وعليه فذلك كرامة لا معجزة ، فافهم .

( قوله : بعد القرآن ) متعلق بأعظم ، أي لأنه أعظم المعجزات على الإطلاق ; لأنه معجزة مستمرة دائمة الإعجاز وقيد بذلك وإن عبر بمن التبعيضية لئلا يتوهم مساواة هذه المعجزة لتلك ، فإن المشاركة في الأعظمية تصدق بالمساواة ، فتدبر .

( قوله : اشتهار مذهبه ) أي في عامة بلاد الإسلام ، بل في كثير من الأقاليم والبلاد لا يعرف إلا مذهبه ، كبلاد الروم والهند والسند وما وراء النهر وسمرقند .

وقد نقل أن فيها تربة المحمدين ، دفن فيها نحو من أربعمائة نفس كل منهم يقال له محمد ، صنف وأفتى وأخذ عنه الجم الغفير . ولما مات صاحب الهداية منعوا دفنه بها فدفن بقربها . وروي أنه نقل مذهبه نحو من أربعة آلاف نفر ، ولا بد أن يكون لكل أصحاب وهلم جرا . وقال ابن حجر : قال بعض الأئمة لم يظهر لأحد من أئمة الإسلام المشهورين مثل ما ظهر لأبي حنيفة من الأصحاب والتلاميذ ، ولم ينتفع العلماء وجميع الناس بمثل ما انتفعوا به وبأصحابه ، في تفسير الأحاديث المشتبهة ، والمسائل المستنبطة ، والنوازل والقضايا والأحكام ، جزاهم الله تعالى الخير التام . وقد ذكر منهم بعض المتأخرين المحدثين في ترجمته ثمانمائة مع ضبط أسمائهم ونسبهم بما يطول ذكره . ا هـ .

( قوله : قولا ) أي سواء ثبت عليه أو رجع عنه ط .

( قوله : إلا أخذ به إمام ) أي من أصحابه تبعا له ، فإن أقوالهم مروية عنه كما سيأتي ، أو من غيرهم من المجتهدين موافقة في اجتهاده ; لأن المجتهد لا يقلد مجتهدا أفاده ط .

( قوله : من زمنه إلى هذه الأيام ) فالدولة العباسية وإن كان مذهبهم مذهب جدهم ، فأكثر قضاتها ومشايخ إسلامها حنفية ، يظهر ذلك لمن تصفح كتب التواريخ وكان مدة ملكهم خمسمائة سنة تقريبا .

وأما الملوك السلجوقيون وبعدهم الخوارزميون فكلهم حنفيون وقضاة ممالكهم غالبها حنفية . وأما ملوك زماننا سلاطين آل عثمان ، أيد الله تعالى دولتهم ما كر الجديدان فمن تاريخ تسعمائة إلى يومنا هذا لا يولون القضاء وسائر مناصبهم إلا للحنفية قاله بعض الفضلاء ، وليس في كلام الشارح ادعاء التخصيص في جميع الأماكن والأزمان ، حتى يرد أن القضاء بمصر كان مختصا بمذهب الإمام الشافعي إلى زمن الظاهر بيبرس البندقداري فافهم .

( قوله : إلى أن يحكم بمذهبه عيسى عليه السلام ) تبع فيه القهستاني وكأنه أخذه مما ذكره أهل [ ص: 57 ] الكشف أن مذهبه آخر المذاهب انقطاعا فقد قال الإمام الشعراني في الميزان ما نصه : قد تقدم أن الله تعالى لما من علي بالاطلاع على عين الشريعة رأيت المذاهب كلها متصلة بها ، ورأيت مذاهب الأئمة الأربعة تجري جداولها كلها ، ورأيت جميع المذاهب التي اندرست قد استحالت حجارة ، ورأيت أطول الأئمة جدولا الإمام أبا حنيفة ويليه الإمام مالك ، ويليه الإمام الشافعي ، ويليه الإمام أحمد ، وأقصرهم جدولا الإمام داود ، وقد انقرض في القرن الخامس ، فأولت ذلك بطول زمن العمل بمذاهبهم وقصره فكما كان مذهب الإمام أبي حنيفة أول المذاهب المدونة فكذلك يكون آخرها انقراضا ، وبذلك قال أهل الكشف ا هـ لكن لا دليل في ذلك ، على أن نبي الله عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام يحكم بمذهب أبي حنيفة وإن كان العلماء موجودين في زمنه فلا بد له من دليل ، ولهذا قال الحافظ السيوطي في رسالة سماها الإعلام ما حاصله : إن ما يقال إنه يحكم بمذهب من المذاهب الأربعة باطل لا أصل له ، وكيف يظن بنبي أنه يقلد مجتهدا مع أن المجتهد من آحاد هذه الأئمة لا يجوز له التقليد ، وإنما يحكم بالاجتهاد ، أو بما كان يعلمه قبل من شريعتنا بالوحي ، أو بما تعلمه منها وهو في السماء ، أو أنه ينظر في القرآن فيفهم منه كما كان يفهم نبينا عليه الصلاة والسلام ا هـ واقتصر السبكي على الأخير .

وذكر منلا علي القاري أن الحافظ ابن حجر العسقلاني سئل هل ينزل عيسى عليه السلام حافظا للقرآن والسنة أو يتلقاهما عن علماء ذلك الزمان ؟ فأجاب : لم ينقل في ذلك شيء صريح ، والذي يليق بمقامه عليه الصلاة والسلام أنه يتلقى ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحكم في أمته كما تلقاه منه ; لأنه في الحقيقة خليفة عنه . ا هـ . وما يقال إن الإمام المهدي يقلد أبا حنيفة ، رده منلا على القاري في رسالته المشرب الوردي في مذهب المهدي وقرر فيها أنه مجتهد مطلق ، ورد فيها ما وضعه بعض الكذابين من قصة طويلة . حاصلها : أن الخضر عليه السلام تعلم من أبي حنيفة الأحكام الشرعية ، ثم علمها للإمام أبي القاسم القشيري ، وأن القشيري صنف فيها كتبا وضعها في صندوق ، وأمر بعض مريديه بإلقائه في جيحون ، وأن عيسى عليه السلام بعد نزوله يخرجه من جيحون ويحكم بما فيه ، وهذا كلام باطل لا أصل له ، ولا تجوز حكايته إلا لرده كما أوضحه ط وأطال في رده وإبطاله فراجعه .

( قوله : وهذا ) أي ما تقدم من الأحاديث ، ومن كثرة المناقب ، ومن كون الحكم لأصحابه وأتباعه ط .

( قوله : سائر ) بمعنى باقي أو جميع على خلاف بسطه في درة الغواص .

( قوله : كيف لا ) أي كيف لا يختص بأمر عظيم .

( قوله : وهو كالصديق ) وجه الشبه أن كلا منهما ابتدأ أمرا لم يسبق إليه فأبو بكر رضي الله عنه ابتدأ جمع القرآن بعد وفاته صلى الله عليه وسلم بمشورة عمر وأبو حنيفة ابتدأ تدوين الفقه كما قدمناه ، أو أن أبا بكر أول من آمن من الرجال وفتح باب التصديق كذا في حواشي الأشباه . قال شيخنا البعلي في شرحه عليها : والأول أولى ; لأن وجه الشبه به أتم ، وقول من قال الثاني ، هو الظاهر ; لأن القرآن بعدما جمع لا يتصور جمعه غير ظاهر ، فإنه قد جمع ثانيا والجامع له عثمان رضي الله تعالى عنه ، فإن الصديق رضي الله تعالى عنه لم يجمعه في المصاحف وجمعه عثمان كما هو معلوم ا هـ تأمل .

( قوله : له ) أي للإمام أجره : أي أجر عمل نفسه ، وهو تدوين الفقه واستخراج فروعه ط .

( قوله : وأجر ) أي ومثل أجر من دون الفقه : أي جمعه ، وأصله من التدوين : أي جعله في الديوان ، وهو بكسر وفتح اسم لما يكتب فيه أسماء الجيش للعطاء ، وأول من أحدثه عمر رضي الله عنه ، ثم أريد به مطلق الكتب مجازا أو منقولا اصطلاحيا ، وقوله وألفه عطف على دون من عطف الخاص على العام . ا هـ . بعلي : أي لأن التأليف جمع على وجه الألفة . [ ص: 58 ] تنبيه ]

ورد في الصحيح أنه " لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها ، ومن سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيء ، ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أوزارهم شيء ، ومن دل على خير فله مثل أجر فاعله . الحديث " قال العلماء : هذه الأحاديث من قواعد الإسلام ، وهو أن كل من ابتدع شيئا من الشر كان عليه وزر من اقتدى به في ذلك فعمل مثل عمله إلى يوم القيامة ، وكل من ابتدع شيئا من الخير كان له مثل أجر كل من يعمل به إلى يوم القيامة ، وتمامه في آخر عمدة المريد للقاني .

( قوله : إلى يوم الحشر ) تنازع فيه كل من دون وألف وفرع .

( قوله : وقد اتبعه ) عطف على قوله وهو كالصديق : أي كيف لا يختص وقد اتبعه إلخ والإتباع تقليده فيما قاله ط .

( قوله : من الأولياء ) متعلق بمحذوف صفة لكثير للبيان ، والولي فعيل بمعنى الفاعل ، وهو من توالت طاعته من غير أن يتخللها عصيان ، وبمعنى المفعول ، فهو من يتوالى عليه إحسان الله تعالى وإفضاله تعريفات السيد ولا بد من تحقق الوصفين حتى يكون وليا في نفس الأمر ، فيشترط فيه كونه محفوظا كما يشترط في النبي كونه معصوما كما في رسالة الإمام القشيري .

( قوله : ممن اتصف ) بدل من قوله من الأولياء أو حال .

( قوله : بثبات المجاهدة ) من إضافة الصفة إلى موصوفها : أي المجاهدة الثابتة أي الدائمة . والمجاهدة لغة : المحاربة . وفي الشرع : محاربة النفس الأمارة بالسوء بتحملها ما يشق عليها مما هو مطلوب في الشرع تعريفات ، وقد ورد تسمية ذلك بالجهاد الأكبر كما في الإحياء . قال العراقي : رواه البيهقي بسند ضعيف عن جابر ، ورواه الخطيب في تاريخه عن جابر بلفظ : قدم النبي صلى الله عليه وسلم من غزاة فقال عليه الصلاة والسلام { قدمتم خير مقدم وقدمتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ، قالوا : وما الجهاد الأكبر ؟ قال : مجاهدة العبد هواه } . ا هـ .

( قوله : المشاهدة ) أي مشاهدة الحق تعالى بآثاره .

( قوله : كإبراهيم بن أدهم ) بن منصور البلخي . كان من أبناء الملوك ، خرج متصيدا فهتف به هاتف : ألهذا خلقت ؟ فنزل عن دابته وأخذ جبة راع وسار حتى دخل مكة ثم أتى الشام ومات بها كذا في رسالة القشيري .

( قوله : وشقيق البلخي ) بن إبراهيم الزاهد العابد المشهور . صحب أبا يوسف القاضي ، وقرأ عليه كتاب الصلاة ، ذكره أبو الليث في المقدمة ، وهو أستاذ حاتم الأصم ، وصحب إبراهيم بن أدهم ، مات شهيدا سنة ( 194 ) تميمي .

( قوله : ومعروف الكرخي ) بن فيروز ، من المشايخ الكبار ، مجاب الدعوة ، يستسقى بقبره وهو أستاذ السري السقطي مات سنة ( 200 ) .

( قوله : وأبي يزيد البسطامي ) شيخ المشايخ ، وذو القدم الراسخ ، واسمه طيفور بن عيسى . كان جده مجوسيا وأسلم ، مات سنة ( 161 ) .

( قوله : وفضيل بن عياض ) الخراساني . روي أنه كان يقطع الطريق ، وأنه عشق جارية وارتقى جدارا لها ، فسمع تاليا يتلو - { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم - } فتاب ورجع ، فورد مكة وجاور بها الحرم ، ومات بها سنة ( 187 ) رسالة القشيري . وذكر الصيمري أنه أخذ الفقه عن أبي حنيفة . وروى عنه الشافعي ، فأخذ عن إمام عظيم ، وأخذ عنه إمام عظيم . وروى له إمامان عظيمان البخاري ومسلم ، وترجمه التميمي وغيره بترجمة حافلة

. ( قوله : وداود الطائي ) هو ابن نصر بن نصير بن سليمان الكوفي الطائي ، العالم العامل ، الزاهد العابد ، أحد أصحاب الإمام ، كان ممن شغل نفسه بالعلم ودرس الفقه وغيره ، ثم اختار العزلة ولزم العبادة . قال محارب بن دثار : لو كان داود في الأمم [ ص: 59 ] الماضية لقص الله تعالى علينا من خبره ، قال أبو نعيم : مات سنة ( 160 ) .

( قوله : وأبي حامد اللفاف ) هو أحمد بن خضرويه البلخي ، من كبار مشايخ خراسان ، مات سنة ( 240 ) رسالة .

( قوله : وخلف بن أيوب ) من أصحاب محمد وزفر ، وتفقه على أبي يوسف أيضا ، وأخذ الزهد عن إبراهيم بن أدهم ، وصحبه مدة : واختلف في وفاته ، والأصح أنه سنة ( 215 ) كما ذكره التميمي : وروي عنه أنه قال : صار العلم من الله إلى محمد صلى الله عليه وسلم ثم صار إلى الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، ثم صار إلى التابعين ، ثم صار إلى أبي حنيفة ، فمن شاء فليرض ومن شاء فليسخط .

( قوله : وعبد الله بن المبارك ) الزاهد الفقيه المحدث ، أحد الأئمة ، جمع الفقه والأدب والنحو واللغة والفصاحة والورع والعبادة ، وصنف الكتب الكثيرة . قال الذهبي : هو أحد أركان هذه الأمة في العلم والحديث والزهد ، وأحد شيوخ الإمام أحمد : أخذ عن أبي حنيفة ، ومدحه في مواضع كثيرة ، وشهد له الأئمة ، مات سنة ( 181 ) وترجمه التميمي بترجمة حافلة ، وذكر من محاسن أخباره ما يأخذ بمجامع العقل ، وله روايات كثيرة في فروع المذهب ذكرت في المطولات .

( قوله : ووكيع بن الجراح ) بن مليح بن عدي الكوفي ، شيخ الإسلام ، وأحد الأئمة الأعلام . قال يحيى بن أكثم : كان وكيع يصوم الدهر ، ويختم القرآن كل ليلة . وقال ابن معين : ما رأيت أفضل منه قيل له : ولا ابن المبارك ؟ قال : كان لابن المبارك فضل ، ولكن ما رأيت أفضل من وكيع ، كان يستقبل القبلة ويسرد الصوم ، ويفتي بقول أبي حنيفة ، وكان قد سمع منه شيئا كثيرا . قال : وكان يحيى بن سعيد القطان يفتي بقوله أيضا ، مات سنة ( 198 ) ، وهو من شيوخ الشافعي وأحمد تميمي

. ( قوله : وأبي بكر الوراق ) هو محمد بن عمرو الترمذي . أقام ببلخ ، وصحب أحمد بن خضرويه ، وله تصانيف في الرياضات ، رسالة . وفي طبقات التميمي : أحمد بن علي أبو بكر الوراق ذكره أبو الفرج محمد بن إسحاق في جملة أصحابنا بعد أن ذكر الكرخي ، فقال : وله من الكتب شرح مختصر الطحاوي ، وذكر في القنية أنه خرج حاجا فلما سار مرحلة قال لأصحابه ردوني ، ارتكبت سبعمائة كبيرة في مرحلة واحدة فردوه

. ا هـ . ( قوله : وغيرهم ) كالإمام العارف المشهور بالزهد والورع والتقشف والتقلل حاتم الأصم ، أحد أتباع الإمام الأعظم ، له كلام مدون في الزهد والحكم : سأله أحمد بن حنبل قال : أخبرني يا حاتم فيم التخلص من الناس ؟ فقال : يا أحمد في ثلاث خصال : أن تعطيهم مالك ولا تأخذ من مالهم شيئا ، وتقضي حقوقهم ولا تستقضي أحدا منهم حقا لك ، وتحتمل مكروههم ولا تكره أحدا منهم على شيء ، فأطرق أحمد ثم رفع رأسه فقال : يا حاتم إنها لشديدة ، فقال له حاتم : وليتك تسلم .

ومنهم ختم دائرة الولاية قطب الوجود سيدي محمد الشاذلي البكري الشهير بالحنفي ، الفقيه الواعظ أحد من صرفه الله تعالى في الكون ، ومكنه من الأحوال ، ونطق بالمغيبات ، وخرق له العوائد ، وقلب له الأعيان ، وترجمه بعضهم في مجلدين ، فقال العارف الشعراني : إنه لم يحط علما بمقامه حتى يتكلم عليه ، وإنما ذكر بعض أمور على طريق أرباب التواريخ توفي سنة ( 847 ) .

( قوله : لبعده ) علة لقوله لا يحصى ، وحذف من قبل قوله أن يستقصي لأمن اللبس ، وهو شائع مطرد : أي لا يمكن إحصاؤه لتباعده من طلب استقصائه : أي غايته ومنتهاه والتعبير [ ص: 60 ] بقوله لا يحصى أبلغ من قولنا لا يعد ; لأن العد أن تعد فردا فردا ، والإحصاء يكون للجمل ; ولذا قال تعالى - { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } - معناه والله أعلم إن أردتم عدها فلا تقدروا على إحصائها ، فضلا عن العد كذا أفاده الإمام النسفي في المستصفى




الخدمات العلمية