الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 226 ] الحديث الثامن عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك ، عصموا مني دماءهم وأموالهم ، إلا بحق الإسلام ، وحسابهم على الله تعالى رواه البخاري ومسلم . [ ص: 235 ]

التالي السابق


هذا الحديث خرجاه في " الصحيحين " من رواية واقد بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن أبيه ، عن جده عبد الله بن عمر . وقوله إلا بحق الإسلام هذه اللفظة تفرد بها البخاري دون مسلم . وقد روي معنى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه متعددة ففي " صحيح البخاري " عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وصلوا صلاتنا ، واستقبلوا قبلتنا ، وأكلوا ذبيحتنا ، فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها . وخرج الإمام أحمد من حديث معاذ بن جبل ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إنما أمرت أن أقاتل الناس حتى يقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، ويشهدوا أن لا إله إلا [ ص: 227 ] الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، فإذا فعلوا ذلك ، فقد اعتصموا وعصموا دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله عز وجل . وخرجه ابن ماجه مختصرا . وخرج نحوه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أيضا ، ولكن المشهور من رواية أبي هريرة ليس فيه ذكر : إقام الصلاة ولا إيتاء الزكاة ففي " الصحيحين " عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فمن قال : لا إله إلا الله ، عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه ، وحسابه على الله عز وجل وفي رواية لمسلم : حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، ويؤمنوا بي وبما جئت به . وخرجه مسلم أيضا من حديث جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ حديث أبي هريرة الأول وزاد في آخره : ثم قرأ فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر ( الغاشية : 21 ) . [ ص: 228 ] وخرج أيضا من حديث أبي مالك الأشجعي ، عن أبيه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله ، حرم ماله ودمه وحسابه على الله عز وجل . وقد روي عن سفيان بن عيينة أنه قال : كان هذا في أول الإسلام قبل فرض الصلاة والصيام والزكاة والهجرة ، وهذا ضعيف جدا ، وفي صحته عن سفيان نظر ، فإن رواة هذه الأحاديث إنما صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، وبعضهم تأخر إسلامه . ثم قوله عصموا مني دماءهم وأموالهم يدل على أنه كان عند هذا القول مأمورا بالقتال ، ويقتل من أبى الإسلام ، وهذا كله بعد هجرته إلى المدينة ، ومن المعلوم بالضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل من كل من جاءه يريد الدخول في الإسلام الشهادتين فقط ، ويعصم دمه بذلك ، ويجعله مسلما ، فقد أنكر على أسامة بن زيد قتله لمن قال : لا إله إلا الله لما رفع عليه السيف ، واشتد نكيره عليه . ولم يكن صلى الله عليه وسلم يشترط على من جاءه يريد الإسلام أن يلتزم الصلاة والزكاة ، بل قد روي أنه قبل من قوم الإسلام ، واشترطوا أن لا يزكوا ، ففي مسند الإمام أحمد ، عن جابر قال : اشترطت ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا صدقة عليهم ولا جهاد ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سيتصدقون ويجاهدون . وفيه أيضا عن نصر بن عاصم الليثي عن رجل منهم أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأسلم على أن لا يصلي إلا صلاتين ، فقبل منه . [ ص: 229 ] وأخذ الإمام أحمد بهذه الأحاديث ، وقال : يصح الإسلام على الشرط الفاسد ، ثم يلزم بشرائع الإسلام كلها ، واستدل أيضا بأن حكيم بن حزام قال : بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على أن لا أخر إلا قائما . قال أحمد : معناه أن يسجد من غير ركوع . وخرج محمد بن نصر المروزي بإسناد ضعيف جدا عن أنس قال : لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يقبل من أجابه إلى الإسلام إلا بإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وكانتا فريضتين على من أقر بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالإسلام ، وذلك قول الله عز وجل : فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ( المجادلة : 13 ) وهذا لا يثبت ، وعلى تقدير ثبوته ، فالمراد منه أنه لم يكن يقر أحدا دخل في الإسلام [ ص: 230 ] على ترك الصلاة والزكاة وهذا حق ، فإنه صلى الله عليه وسلم أمر معاذا لما بعثه إلى اليمن أن يدعوهم أولا إلى الشهادتين ، وقال : إن هم أطاعوك لذلك ، فأعلمهم بالصلاة ثم بالزكاة ومراده أن من صار مسلما بدخوله في الإسلام أمر بعد ذلك بإقام الصلاة ، ثم بإيتاء الزكاة ، وكان من سأله عن الإسلام يذكر له مع الشهادتين بقية أركان الإسلام ، كما قال لجبريل عليه السلام لما سأله عن الإسلام ، وكما قال للأعرابي الذي جاءه ثائر الرأس يسأله عن الإسلام . وبهذا الذي قررناه يظهر الجمع بين ألفاظ أحاديث هذا الباب ، ويتبين أن كلها حق ، فإن كلمتي الشهادتين بمجردهما تعصم من أتى بهما ، ويصير بذلك مسلما ، فإذا دخل في الإسلام ، فإن أقام الصلاة ، وآتى الزكاة ، وقام بشرائع الإسلام ، فله ما للمسلمين ، وعليه ما عليهم ، وإن أخل بشيء من هذه الأركان ، فإن كانوا جماعة لهم منعة قوتلوا . وقد ظن بعضهم أن معنى الحديث أن الكافر يقاتل حتى يأتي بالشهادتين ، ويقيم الصلاة ، ويؤتي الزكاة ، وجعلوا ذلك حجة على خطاب الكفار بالفروع ، وفي هذا نظر ، وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم في قتال الكفار تدل على خلاف هذا ، وفي " صحيح مسلم " عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليا يوم خيبر ، فأعطاه الراية وقال : امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك فسار علي شيئا ، ثم وقف ، فصرخ : يا رسول الله ، على ماذا أقاتل الناس ؟ فقال : قاتلهم على أن يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، فإذا فعلوا ذلك ، فقد عصموا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله عز وجل فجعل مجرد الإجابة إلى الشهادتين عصمة للنفوس والأموال إلا بحقها ، ومن حقها الامتناع من الصلاة والزكاة بعد الدخول في الإسلام كما فهمه الصحابة رضي الله عنهم .


[ ص: 231 ] ومما يدل على قتال الجماعة الممتنعين من إقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة من القرآن قوله تعالى : فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ( التوبة : 5 ) وقوله تعالى : فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ( التوبة : 11 ) وقوله تعالى وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله ( البقرة : 193 ) مع قوله تعالى : وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ( البينة : 5 ) . وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا قوما لم يغر عليهم حتى يصبح فإن سمع أذانا وإلا أغار عليهممع احتمال أن يكونوا قد دخلوا في الإسلام . وكان يوصي سراياه : " إن سمعتم مؤذنا أو رأيتم مسجدا ، فلا تقتلوا أحدا " . وقد بعث عيينة بن حصن إلى قوم من بني العنبر ، فأغار عليهم ولم يسمع أذانا ، ثم ادعوا أنهم قد أسلموا قبل ذلك . وبعث صلى الله عليه وسلم إلى أهل عمان كتابا فيه : " من محمد النبي إلى أهل عمان ، سلام أما بعد : فأقروا بشهادة أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، وأدوا الزكاة ، وخطوا المساجد ، وإلا غزوتكم " خرجه البزار والطبراني وغيرهما . [ ص: 232 ] فهذا كله يدل على أنه كان يعتبر حال الداخلين في الإسلام ، فإن أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وإلا لم يمتنع عن قتالهم ، وفي هذا وقع تناظر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما كما في " الصحيحين " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر الصديق بعده ، وكفر من كفر من العرب ، قال عمر لأبي بكر : كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فمن قال : لا إله إلا الله ، فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله عز وجل فقال أبو بكر : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال ، والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه ، فقال عمر : فوالله ما هو إلا أن رأيت أن الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق . فأبو بكر رضي الله عنه أخذ قتالهم من قوله : " إلا بحقه " فدل على أن قتال من أتى بالشهادتين بحقه جائز ، ومن حقه أداء حق المال الواجب ، وعمر رضي الله عنه ظن أن مجرد الإتيان بالشهادتين يعصم الدم في الدنيا تمسكا بعموم أول الحديث كما ظن طائفة من الناس أن من أتى بالشهادتين امتنع من دخول النار في الآخرة تمسكا بعموم ألفاظ وردت ، وليس الأمر على ذلك ، ثم إن عمر رجع إلى موافقة أبي بكر رضي الله عنه . وقد خرج النسائي قصة تناظر أبي بكر وعمر بزيادة : وهي أن أبا بكر قال [ ص: 233 ] لعمر : إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة وخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " ولكن هذه الرواية أخطأ فيها عمران القطان إسنادا ومتنا ، قاله أئمة الحفاظ ، منهم علي بن المديني وأبو زرعة وأبو حاتم والترمذي والنسائي ، ولم يكن هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ عند أبي بكر ولا عمر ، وإنما قال أبو بكر : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال ، وهذا أخذه - والله أعلم - من قوله في الحديث إلا بحقها وفي رواية : إلا بحق الإسلام فجعل من حق الإسلام إقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، كما أن من حقه أن لا يرتكب الحدود ، وجعل كل ذلك مما استثني بقوله : إلا بحقها . وقوله : لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال ، يدل على أن من ترك الصلاة ، فإنه يقاتل لأنها حق البدن ، فكذلك من ترك الزكاة التي هي حق المال . وفي هذا إشارة إلى أن قتال تارك الصلاة أمر مجمع عليه ، لأنه جعله أصلا مقيسا عليه ، وليس هو مذكورا في الحديث الذي احتج به عمر وإنما أخذ من قوله : " إلا بحقها " فكذلك الزكاة لأنها من حقها ، وكل ذلك من حقوق الإسلام . ويستدل أيضا على القتال على ترك الصلاة بما في " صحيح مسلم " عن أم سلمة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يستعمل عليكم أمراء ، فتعرفون وتنكرون ، فمن أنكر ، فقد برئ ، ومن كره فقد سلم ، ولكن من رضي وتابع فقالوا : يا رسول الله ، ألا نقاتلهم ؟ قال لا ما صلوا . [ ص: 234 ] وحكم من ترك سائر أركان الإسلام أن يقاتلوا عليها كما يقاتلون على ترك الصلاة والزكاة . وروى ابن شهاب عن حنظلة بن علي الأسقع أن أبا بكر الصديق بعث خالد بن الوليد ، وأمره أن يقاتل الناس على خمس ، فمن ترك واحدة من الخمس ، فقاتله عليها كما تقاتل على الخمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان . وقال سعيد بن جبير : قال عمر بن الخطاب : لو أن الناس تركوا الحج لقاتلناهم عليه ، كما نقاتلهم على الصلاة والزكاة . فهذا الكلام في قتال الطائفة الممتنعة عن شيء من هذه الواجبات . وأما قتل الواحد الممتنع عنها ، فأكثر العلماء على أنه يقتل الممتنع عن الصلاة ، وهو قول مالك والشافعي وأحمد وأبي عبيد ، وغيرهم ، ويدل على ذلك ما في " الصحيحين " عن أبي سعيد الخدري أن خالد بن الوليد استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في قتل رجل ، فقال : " لا ، لعله أن يكون يصلي " فقال خالد : وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنى لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم . وفي " مسند الإمام أحمد " عن عبيد الله بن عدي بن الخيار أن رجلا من الأنصار حدثه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في قتل رجل من المنافقين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أليس يشهد أن لا إله إلا الله ؟ قال : بلى ، ولا شهادة له ، قال : أليس يصلي ؟ قال : بلى ، ولا صلاة له ، قال : أولئك الذين نهاني الله ، عن قتلهم .


[ ص: 235 ] وأما قتل الممتنع عن أداء الزكاة ، ففيه قولان لمن قال : يقتل الممتنع من فعل الصلاة . أحدهما : يقتل أيضا ، وهو المشهور عن أحمد ، ويستدل له بحديث ابن عمر هذا . والثاني : لا يقتل ، وهو قول مالك ، والشافعي ، وأحمد في رواية . وأما الصوم فقال مالك وأحمد في رواية عنه : يقتل بتركه ، وقال الشافعي وأحمد في رواية : لا يقتل بذلك ، ويستدل له بحديث ابن عمر وغيره مما في معناه فإنه ليس في شيء منها ذكر الصوم ، ولهذا قال أحمد في رواية أبي طالب : الصوم ولم يجئ فيه شيء . قلت : وقد روي عن ابن عباس مرفوعا وموقوفا : أن من ترك الشهادتين أو الصلاة أو الصيام ، فهو كافر حلال الدم بخلاف الزكاة والحج . وقد سبق ذكره في شرح حديث " بني الإسلام على خمس " . وأما الحج ، فعن أحمد في القتل بتركه روايتان ، وحمل بعض أصحابنا رواية قتله على من أخره عازما على تركه ، بالكلية أو أخره وغلب على ظنه الموت في عامه ، فأما إن أخره معتقدا أنه على التراخي كما يقوله كثير من العلماء فلا قتل بذلك . وقوله صلى الله عليه وسلم : " إلا بحقها " وفي رواية : " إلا بحق الإسلام " قد سبق أن أبا بكر أدخل في هذا الحق فعل الصلاة والزكاة ، وأن من العلماء من أدخل فيه فعل الصيام والحج أيضا . ومن حقها ارتكاب ما يبيح دم المسلم من المحرمات ، وقد ورد تفسير حقها بذلك ، خرجه الطبراني وابن جرير الطبري من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فإذا قالوها ، عصموا مني [ ص: 236 ] دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله عز وجل قيل : وما حقها ؟ قال : زنى بعد إحصان ، وكفر بعد إيمان ، وقتل نفس ، فيقتل بها ولعل آخره من قول أنس ، وقد قيل : إن الصواب وقف الحديث كله عليه . ويشهد لهذا ما في " الصحيحين " عن ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة وسيأتي الكلام على هذا الحديث مستوفى عند ذكره في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى . وقوله صلى الله عليه وسلم : " وحسابهم على الله عز وجل " يعني أن الشهادتين مع إقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة تعصم دم صاحبها وماله في الدنيا إلا أن يأتي ما يبيح دمه ، وأما في الآخرة ، فحسابه على الله عز وجل ، فإن كان صادقا ، أدخله الله بذلك الجنة ، وإن كان كاذبا ، فإنه من جملة المنافقين في الدرك الأسفل من النار . وقد تقدم أن في بعض الروايات في " صحيح مسلم " : ثم تلا فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر إلا من تولى وكفر فيعذبه الله العذاب الأكبر إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم ( الغاشية : 21 - 26 ) والمعنى : إنما عليك تذكيرهم بالله ، ودعوتهم إليه ، ولست مسلطا على إدخال الإيمان في قلوبهم قهرا ولا مكلفا بذلك ، ثم أخبر أن مرجع العباد كلهم إليه وحسابهم عليه . وفي " مسند البزار " عن عياض الأنصاري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن لا إله إلا الله كلمة على الله كريمة ، لها عند الله مكان ، وهي كلمة من قالها صادقا ، [ ص: 237 ] أدخله الله بها الجنة ، ومن قالها كاذبا حقنت ماله ودمه ، ولقي الله غدا فحاسبه . وقد استدل بهذا من يرى قبول توبة الزنديق وهو المنافق إذا أظهر العود إلى الإسلام ، ولم ير قتله بمجرد ظهور نفاقه ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعامل المنافقين ، ويجريهم على أحكام المسلمين في الظاهر مع علمه بنفاق بعضهم في الباطن ، وهذا قول الشافعي وأحمد في رواية عنه ، وحكاه الخطابي ، عن أكثر العلماء ، والله أعلم .



الخدمات العلمية