الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
398 - وأخبرنا أبو أحمد عبد الباقي بن عبد الجبار الهروي الصوفي - ببغداد - أن الإمام أبا شجاع عمر بن محمد بن عمر البسطامي أخبرهم - قراءة عليه - أنا أبو القاسم أحمد بن محمد بن محمد الخليلي ، أنا أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد الخزاعي ، أنا أبو سعيد الهيثم بن كليب [ ص: 15 ] الشاشي ، ثنا محمد بن أبي العوام الواسطي ، نا أبي ، نا عمر بن إبراهيم الهاشمي ، عن عبد الملك بن عمير ، عن أسيد بن صفوان صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لما توفي أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - فسجوه بثوب ارتجت المدينة بالبكاء ودهش القوم كيوم قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجاء علي بن أبي طالب -رضي الله عنه - باكيا مسترجعا ، وهو يقول : اليوم انقطعت خلافة النبي ، حتى وقف على باب البيت الذي فيه أبو بكر ، فقال : رحمك الله أبا بكر ، كنت أول القوم إسلاما ، وأخلصهم إيمانا ، وأشدهم يقينا ، وأخوفهم لله ، وأعظمهم غناء ، وأحوطهم على رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأحدبهم على الإسلام ، وأيمنهم على أصحابه . أحسنهم صحبة ، وأفضلهم مناقب ، وأكثرهم سوابق ، أرفعهم درجة ، وأقربهم من رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وأشبههم به هديا وخلقا وسمتا وفضلا ، أشرفهم منزلة ، وأكرمهم عليه ، وأوثقهم عنه ، فجزاك الله عن الإسلام وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين خيرا ، صدقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين كذبه الناس ، فسماك الله في " كتابه " صديقا : والذي جاء بالصدق محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وصدق به أبو بكر واسيته حين بخلوا ، وقمت معه حين عنه قعدوا ، صحبته في الشدة أكرم الصحبة ، ثاني اثنين وصاحبه ، والمنزل عليه السكينة ، رفيقه في الهجرة ومواطن الكره ، خلفته في أمته بأحسن الخلافة حين ارتد الناس ، وقمت بدين الله قياما لم يقمه خليفة نبي قط ، قويت حين ضعف أصحابك ، وبرزت حين استكانوا ونهضت حين وهنوا ، ولزمت منهاج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ هموا ، ولم تصدع برغم المنافقين وضغن الفاسقين وغيظ الكافرين وكره الحاسدين وقمت [ ص: 16 ] بالأمر حين فشلوا ونطقت حين تتعتعوا ، ومضيت بنور الله إذ وقفوا ، واتبعوك فهدوا ، كنت أخفضهم صوتا ، وأعلاهم فوقا ، أقلهم كلاما وأصوبهم منطقا ، وأطولهم صمتا ، وأبلغهم قولا . كنت أكبرهم رأيا ، وأشجعهم قلبا ، وأشدهم يقينا ، وأحسنهم عملا ، وأعرفهم بالأمور ، كنت والله للدين يعسوبا أولا حين تفرق الناس عنه ، وآخرا حين قبلوا ، كنت للمؤمنين أبا رحيما إذ صاروا عليك عيالا ، فحملت من الأثقال ما عنه ضعفوا ، وحفظت ما أضاعوا ، ورعيت ما أهملوا ، وشمرت إذ خنعوا ، وعلوت إذ هلعوا ، وصبرت إذ جزعوا ، فأدركت آثار ما طلبوا ، ونالوا بك ما لم يحتسبوا . كنت على الكافرين عذابا صبا ولهبا ، وللمسلمين غيثا وخصبا ، فطرت والله بغنائها ، وفزت بحبائها ، وذهبت بفضائلها ، وأحرزت سوابقها ، لم تفلل حجتك ، ولم يزغ قلبك ، ولم تضعف بصيرتك ، ولم تجبن نفسك ، ولم تخن ، كنت كالجبل لا تحركه العواصف ، ولا تزيله القواصف ، كنت كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : أمن الناس عليه في صحبتك وذات يدك . وكما قال : ضعيف في بدنك قوي في أمر الله . متواضعا في نفسك عظيما عند الله ، جليلا في الأرض ، كبيرا عند المؤمنين . لم يكن لأحد فيك مهمز ، ولا لقائل فيك مغمز ، ولا لأحد فيك مطمع ، ولا عندك هوادة لأحد ، الضعيف الذليل عندك قوي عزيز حتى تأخذ له بحقه ، والقوي العزيز عندك ضعيف حتى تأخذ منه الحق ، القريب والبعيد عندك في ذلك سواء ، شأنك الحق ، والصدق والرفق ، وقولك حكم وحتم ، وأمرك حلم وحزم ، ورأيك علم وعزم ، فأبلغت وقد نهج السبيل وسهل العسير ، وأطفئت النيران ، واعتدل بك الدين وقوي الإيمان ، [ ص: 17 ] وظهر أمر الله ولو كره الكافرون ، وثبت الإسلام والمؤمنون ، فسبقت والله سبقا بعيدا ، وأتعبت من بعدك إتعابا شديدا ، وفزت بالخير فوزا مبينا ، فجللت عن البكاء ، وعظمت رزيتك في السماء ، وهدت مصيبتك الأنام ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، رضينا عن الله قضاءه ، وسلمنا له أمره ، فوالله لن يصاب المسلمون بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمثلك أبدا . كنت للدين عزا وكهفا ، وللمؤمنين حصنا وفئة وأنسا ، وعلى المنافقين غلظة وغيظا ، فألحقك الله بنبيك - عليه السلام - ولا حرمنا الله أجرك ، ولا أضلنا بعدك ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .

وسكت الناس حتى انقضى كلامه ، وبكوا كيوم مات النبي صلى الله عليه وسلم . وقالوا : صدقت يا ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم
.

كذا رواه الهيثم بن كليب في " مسنده " .

التالي السابق


الخدمات العلمية