الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              5267 [ 2698 ] وعن سعد بن أبي وقاص ، يقول : والله إني لأول رجل من العرب رمى بسهم في سبيل الله ، ولقد كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام نأكله إلا ورق الحبلة ، هذا السمر ، حتى إن أحدنا ليضع كما تضع الشاة ، ثم أصبحت بنو أسد تعزرني على الدين ، لقد خبت إذا وضل عملي .

                                                                                              رواه أحمد (1 \ 174) ، والبخاري (5412) ، ومسلم (2966) ، والترمذي (2366) ، وابن ماجه (131) .

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و (قوله : ما لنا طعام نأكله إلا ورق الحبلة ، هذا السمر ) كذا وقع عند عامة الرواة . وعند الطبري والتميمي : وهذا السمر ، بواو ، ووقع في البخاري : إلا الحبلة ، وورق السمر ، وكذلك ذكره أبو عبيد .

                                                                                              الحبلة بضم الحاء وسكون الباء : ثمر العضاه . وقال ابن الأعرابي : ثمر [ ص: 121 ] السمر شبه اللوبياء ، ورواية البخاري : أحسنها ; لأنه بين فيها أنهم يأكلون ثمر العضاه ، وورق الشجر السمر .

                                                                                              و (قوله : ثم أصبحت بنو أسد تعزرني على الدين ) هو بالزاي أولى ، وبالراء ثانية ، من التعزير ، واختلف في معناه هنا ، فقال الهروي : معناه : توقفني عليه ، والتعزير : التوقيف على الأحكام والفرائض . وقال الطبري : أي : تقومني وتعلمني ، ومنه تعزير السلطان ; أي : تقويمه بالتأديب ، وقال الحربي : التعزير بمعنى اللوم والعتب .

                                                                                              قلت : هذه أقوال الشارحين لهذه الكلمة ، وفيها كلها بعد عن معنى الحديث ، والذي يظهر لي : أن الأليق بمعناه : أن التعزير معناه الإعظام والإكبار ، كما قال تعالى : وتعزروه [ الفتح : 9 ] أي : تعظموه وتبروه ، فيكون معناه على هذا : أنه وصف ما كانت حالتهم عليه في أول أمرهم من شدة الحال ، وصعوبة العيش ، والجهد مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم إنهم اتسعت عليهم الدنيا ، وفتحت عليهم الفتوحات ، وولوا الولايات ، فعظمهم الناس لشهرة فضلهم ودينهم ، وكأنه كره تعظيم الناس له ، وخص بني أسد بالذكر ; لأنهم أفرطوا في تعظيمه ، والله تعالى أعلم .

                                                                                              وهذا الذي ذكرناه هو الذي صرح به عتبة بن غزوان في الحديث الآتي بعد هذا ، حيث قال : لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة ، وما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى قرحت أشداقنا ، فالتقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد بن مالك ، فاتزرت بنصفها ، واتزر سعد بنصفها ، فما أصبح منا اليوم أحد إلا أصبح أميرا على [ ص: 122 ] مصر من الأمصار ، وإني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيما ، وعند الله صغيرا . فيحتمل أن يكون هذا هو الذي عنى به سعد بن أبي وقاص ، والله تعالى أعلم . وأما ما فسرت به المشايخ ذلك الكلام فيقتضي تفسيرهم : أن بني أسد كانوا عتبوا عليه أمورا من الدين ، وعابوها عليه ، فرد عليهم قولهم . ويعضد هذا ما ذكره البخاري من حديث جابر بن سمرة ، قال : شكا أهل الكوفة سعدا حتى ذكروا : أنه لا يحسن أن يصلي ، فاستحضره عمر - رضي الله عنه - فقال : إن هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن تصلي ، فقال : أما أنا فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفيه : ولم يدع مسجدا إلا سأل عنه ، ويثنون معروفا ، حتى دخل مسجدا لبني عبس ، فقام رجل منهم ، يقال له : أسامة بن قتادة ، فقال : أما إذ نشدتنا ، فإن سعدا كان لا يسير بالسرية ، ولا يعدل في القضية . . . وذكر الحديث .




                                                                                              الخدمات العلمية