الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      قرأت بخط عمر بن الحاجب أن " معجم السفر " للسلفي يشتمل على ألفي شيخ ؛ كذا قال ، وما أحسبه يبلغ ذلك .

                                                                                      قال الحسن بن أحمد الأوقي : كانوا يأتون السلفي ، ويطلبون منه دعاء لعسر الولادة ، فيكتب لمن يقصده ، قال : فلما كثر ذلك نظرت فيما يكتب ، فوجدته يكتب : اللهم إنهم قد أحسنوا ظنهم بي ، فلا تخيب ظنهم في .

                                                                                      قال : وحضر عنده السلطان صلاح الدين وأخوه الملك العادل لسماع الحديث ، فتحدثا ، فأظهر لهما الكراهة وقال : أنتما تتحدثان ، وحديث النبي-صلى الله عليه وسلم- يقرأ ؟ ! فأصغيا عند ذلك .

                                                                                      قلت : وقد حدث السلطان عنه .

                                                                                      قال الحافظ زكي الدين عبد العظيم : كان السلفي مغرى بجمع الكتب والاستكثار منها ، وما كان يصل إليه من المال كان يخرجه في شرائها ، وكان عنده خزائن كتب ، ولا يتفرغ للنظر فيها ، فلما مات وجدوا معظم الكتب في الخزائن قد عفنت ، والتصق بعضها ببعض لنداوة الإسكندرية ، فكانوا يستخلصونها بالفأس ، فتلف أكثرها .

                                                                                      قال السيف أحمد ابن المجد الحافظ : سمعت أحمد بن سلامة النجار يقول : أراد عبد الغني وعبد القادر الحافظان سماع كتاب اللالكائي ، يعني شرح السنة ، على السلفي ، فأخذ يتعلل عليهما مرة ، ويدافعهم عنه أخرى بأصل السماع ، حتى كلمته امرأته في ذلك .

                                                                                      قلت : ما أظنه حدث بالكتاب . بلى حدث منه بكرامات الأولياء .

                                                                                      قرأت بخط عمر بن الحاجب أن " معجم السفر " للسلفي يشتمل على [ ص: 29 ] ألفي شيخ .

                                                                                      أنشدني أبو بكر الدشتي ، وإسحاق الأسدي ، قالا : أنشدنا ابن رواحة : أنشدني أبو طاهر السلفي لنفسه :

                                                                                      كم جلت طولا وعرضا وجبت أرضا فأرضا     وما ظفرت بخل
                                                                                      من غير غل فأرضى

                                                                                      أنبأني أحمد بن سلامة ، عن الحافظ عبد الغني بن سرور ، أنشدنا أبو طاهر السلفي لنفسه في رجب سنة ست وستين وخمسمائة :

                                                                                      دعوني عن أسانيد الضلال     وهاتوا من أسانيد عوالي
                                                                                      رخاص عند أهل الجهل طرا     وعند العارفين بها غوالي
                                                                                      عن اشياخ الحديث وما رواه     إمام في العلوم على الكمال
                                                                                      كمالك أو كمعمر المزكى     وشعبة أو كسفيان الهلالي
                                                                                      وسفيان العراق وليث مصر     فقدما كان معدوم المثال
                                                                                      [ ص: 30 ] والأوزاعي فهو له بشرع ال     نبي المصطفى أوفى اتصال
                                                                                      ومسعر الذي في كل علم     يشار كذا إليه كالهلال
                                                                                      وزائدة وزد أيضا جريرا     فكل منهما رجل النضال
                                                                                      وكابن مبارك أو كابن وهب     وكالقطان ذي شرف وحال
                                                                                      وحماد وحماد جميعا     وكابن الدستوائي الجمال
                                                                                      وبعدهم وكيع وابن مهدي     المهدي في كل الخلال
                                                                                      ومكي ووهب والحميدي     عبد الله ليث ذي صيال
                                                                                      وضحاك عقيب يزيد أعني     ابن هارون المحقق في الخصال
                                                                                      [ ص: 31 ] كذاك طيالسيا البصرة اذكر     فما روياه من أثر لآلي
                                                                                      وعفان نعم وأبو نعيم     حميدا الحال مرضيا الفعال
                                                                                      ويحيى شيخ نيسابور ثم ال     إمام الشافعي المقتدى لي
                                                                                      كذاكم ابن خالد المكنى     أبا ثور وكان حوى المعالي
                                                                                      وأيضا فالصدوق أبو عبيد     فأعلام من أرباب المقال
                                                                                      كيحيى وابن حنبل المعلى     بمعرفة المتون وبالرجال
                                                                                      وإسحاق التقي وفتى نجيح     وعبد الله ذي مدح طوال

                                                                                      إسحاق : هو ابن راهويه وفتى نجيح : ابن المديني وعبد الله : ابن أبي شيبة .

                                                                                      [ ص: 32 ]

                                                                                      وعثمان الرضي أخيه أيضا     وكالطوسي ركن الابتهال
                                                                                      وكالنسوي أعنيه زهيرا     ويعرف بابن حرب في المجال
                                                                                      وكالذهلي شمس الشرق عدل     يعدله المعادي والموالي
                                                                                      وأصحاب الصحاح الخمسة اعلم     رجال في الشريعة كالجبال
                                                                                      وكابن شجاع البلخي ثم ال     سمرقندي من هو رأس مالي
                                                                                      وبوشنجيهم ثم ابن نصر بمرو     مقدم فيهم ثمال
                                                                                      وبالري ابن وارة ذو افتنان     وترباه كذاك على التوالي

                                                                                      ترباه هما : أبو زرعة وأبو حاتم .


                                                                                      كذاك ابن الفرات وكان سيفا     على البدعي يطعن كالألال
                                                                                      كذا الحربي أحربه وحرب     ابن إسماعيل خير ذو منال
                                                                                      [ ص: 33 ] ويعقوب ويعقوبان أيضا     سواه وابن سنجر الثمال

                                                                                      يعقوب بن شيبة ويعقوب بن إبراهيم الدورقي ، ويعقوب الفسوي .


                                                                                      وصالح الرضى وأخوه منهم     كذاك الدارمي أخو المعالي
                                                                                      وصالح الملقب وابن عمرو     دمشقي حليم ذو احتمال
                                                                                      ونجل جرير إذ توفي وتربي     مناقبه على عدد الرمال
                                                                                      كذا ابن خزيمة السلمي ثم اب     ن مندة مقتدى مدن الجبال
                                                                                      وخلق تقصر الأوصاف عنهم     وعن أحوالهم حال السؤال
                                                                                      سموا بالعلم حين سما سواهم     لدى الجهال بالرمم البوالي
                                                                                      ومع هذا المحل وما حووه     فآلهم كذلك خير آل
                                                                                      [ ص: 34 ] مضوا والذكر من كل جميل     على المعهود في الحقب الخوالي
                                                                                      أطاب الله مثواهم فقدما     تعنوا في طلابهم العوالي
                                                                                      وبعد حصولها لهم تصدوا     كذلك للرواية والأمالي
                                                                                      وتلفي الكل منهم حين يلقى     من آثار العبادة كالخلال
                                                                                      وها أنا شارع في شرح ديني     ووصف عقيدتي وخفي حالي
                                                                                      وأجهد في البيان بقدر وسعي     وتخليص العقول من العقال
                                                                                      بشعر لا كشعر بل كسحر     ولفظ كالشمول بل الشمال
                                                                                      فلست الدهر إمعة وما     إن أزل ولا أزول لذي النزال
                                                                                      فلا تصحب سوى السني دينا     لتحمد ما نصحتك في المآل
                                                                                      وجانب كل مبتدع تراه     فما إن عندهم غير المحال
                                                                                      ودع آراء أهل الزيغ رأسا     ولا تغررك حذلقة الرذال
                                                                                      فليس يدوم للبدعي رأي     ومن أين المقر لذي ارتحال
                                                                                      يوافى حائرا في كل حال     وقد خلى طريق الاعتدال
                                                                                      ويترك دائبا رأيا لرأي     ومنه كذا سريع الانتقال
                                                                                      وعمدة ما يدين به سفاها     فأحداث من ابواب الجدال
                                                                                      وقول أئمة الزيغ الذي لا     يشابهه سوى الداء العضال
                                                                                      كمعبد المضلل في هواه     وواصل أو كغيلان المحال
                                                                                      [ ص: 35 ] وجعد ثم جهم وابن حرب     حمير يستحقون المخالي
                                                                                      وثور كاسمه أو شئت فاقلب     وحفص الفرد قرد ذي افتعال
                                                                                      وبشر لا رأى بشرى فمنه     تولد كل شر واختلال
                                                                                      وأتباع ابن كلاب كلاب     على التحقيق هم من شر آل
                                                                                      كذاك أبو الهذيل وكان مولى     لعبد القيس قد شان الموالي
                                                                                      ولا تنس ابن أشرس المكنى     أبا معن ثمامة فهو غالي
                                                                                      ولا ابن الحارث البصري ذاك ال     مضل على اجتهاد واحتفال
                                                                                      ولا الكوفي أعنيه ضرار ب     ن عمرو فهو للبصري تالي
                                                                                      كذاك ابن الأصم ومن قفاه     من اوباش البهاشمة النغال
                                                                                      [ ص: 36 ] وعمرو هكذا أعني ابن بحر     وغيرهم من أصحاب الشمال
                                                                                      فرأي أولاء ليس يفيد شيئا     سوى الهذيان من قيل وقال
                                                                                      وكل هوى ومحدثة ضلال     ضعيف في الحقيقة كالخيال
                                                                                      فهذا ما أدين به إلهي     تعالى عن شبيه أو مثال
                                                                                      وما نافاه من خدع وزور     ومن بدع فلم يخطر ببالي

                                                                                      صدق الناظم رحمه الله ، وأجاد ، فلأن يعيش المسلم أخرس أبكم خير له من أن يمتلئ باطنه كلاما وفلسفة ! .

                                                                                      أنشدنا أبو الغنائم بن علان في كتابه عن القاسم بن علي بن الحسن الحافظ ، أخبرنا أبي ، أنشدنا أبو سعد عبد الكريم بن محمد بدمشق ، أنشدنا أبو العز محمد بن علي البستي بملقاباذ . ( ح ) وأنشدنا أبو الحسين اليونيني ، أنشدنا جعفر بن علي المقرئ ، قالا : أنشدنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد لنفسه :

                                                                                      إن علم الحديث علم رجال     تركوا الابتداع للاتباع
                                                                                      فإذا جن ليلهم كتبوه     وإذا أصبحوا غدوا للسماع

                                                                                      أنشدنا أبو الفتح القرشي ، أنشدنا يوسف الساوي ، أنشدنا السلفي لنفسه :

                                                                                      ليس على الأرض في زماني     من شانه في الحديث شاني
                                                                                      [ ص: 37 ] نظما وضبطا يلي علوا     فيه على رغم كل شاني

                                                                                      أنشدنا أبو الحسين ابن الفقيه وأبو علي القلانسي ، قالا : أنشدنا أبو الفضل الهمداني ، أنشدنا أبو طاهر السلفي لنفسه : ليس حسن الحديث قرب رجال     عند أرباب علمه النقاد
                                                                                      بل علو الحديث عند أولي الإت     قان والحفظ صحة الإسناد
                                                                                      فإذا ما تجمعا في حديث     فاغتنمه فذاك أقصى المراد
                                                                                      قد مر ذكر مولده وأنه على التقدير ، وقد قال المحدث محمد بن عبد الرحمن بن علي التجيبي الأندلسي : سمعت على السلفي ووجدت بخطه مقيدا : مولدي بأصبهان سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة تخمينا لا يقينا . ويقوي هذا ما تقدم عن السخاوي ، والأظهر خلافه من قوله لما كتبوا عنه وهو أمرد ، ومن قوله وقت قتلة نظام الملك .

                                                                                      وقال القاضي شمس الدين أحمد بن خلكان كانت ولادته بأصبهان سنة اثنتين وسبعين تقريبا .

                                                                                      قال : ووجدت العلماء بمصر والمحدثين - من جملتهم الحافظ المنذري - يقولون في مولد السلفي هذه المقالة . ثم وجدت في كتاب " زهر الرياض " لأبي القاسم ابن الصفراوي أن السلفي كان يقول : مولدي بالتخمين لا باليقين سنة ثمان وسبعين .

                                                                                      فيكون مبلغ عمره على مقتضى ذلك ثمانيا وتسعين سنة .

                                                                                      ثم قال ابن خلكان : ورأيت في تاريخ ابن النجار ما يدل على صحة ما [ ص: 38 ] قاله الصفراوي ، فإنه قال : قال عبد الغني المقدسي : سألت السلفي عن مولده ، فقال : أنا أذكر قتل نظام الملك سنة خمس وثمانين ولي نحو عشر سنين ، ولو كان مولده في سنة اثنتين وسبعين على ما يقوله أهل مصر ما كان يقول : أذكر قتل نظام الملك ، فيكون على ما قالوه عمره ثلاث عشرة سنة أو أربع عشرة ، ولم تجر العادة أن من سنه هكذا أن يقول : أذكر القصة الفلانية .

                                                                                      قال : فقد ظهر بهذا أن قول الصفراوي تلميذه أقرب إلى الصحة .

                                                                                      قلت : أرى أن القولين بعيدان ، وهما سنة اثنتين ، وسنة ثمان ، فإنه قد حدث في سنة اثنتين وتسعين في أولها ، وقد مر أنه قال : كنت ابن سبع عشرة سنة أكثر أو أقل بقليل ، فلو كان مولده سنة اثنتين لكان ابن عشرين سنة تامة ، ولو كان على ما قال الصفراوي لكان قد كتبوا عنه وهو ابن أربع عشرة ، وهذا بعيد جدا ، فتعين أن مولده على هذا يكون في سنة أربع أو خمس وسبعين وأنه ممن جاوز المائة بلا تردد .

                                                                                      قال ابن خلكان : مع أنا ما علمنا أحدا منذ ثلاثمائة سنة إلى الآن بلغ المائة فضلا عن أنه زاد عليها سوى القاضي أبي الطيب الطبري : فإنه عاش مائة وسنتين .

                                                                                      قلت : هذا الكلام لا يدل على نفي تعمير المائة ، بل فيه اعتراف في الطبري -رحمه الله - وما قاله الصفراوي فقاله باجتهاده ، وما توبع عليه ، بل خولف .

                                                                                      وقد كنت ألفت جزءا كبيرا فيمن جاوز المائة من المشايخ ومنهم [ ص: 39 ] أنس بن مالك ، وأبو الطفيل ، وغيرهما من الصحابة ، وسويد بن غفلة ، وأبو رجاء العطاردي ، وعدة من التابعين ، والحسن بن عرفة العبدي ، وأبو القاسم البغوي ، وبدر بن الهيثم ، وسليمان بن أحمد الطبراني ، والفقيه عبد الواحد الزبيري بما وراء النهر ، وشيخنا ركن الدين الطاوسي ، وبالأمس مسند الدنيا شهاب الدين أحمد ابن الشحنة .

                                                                                      قال المحدث وجيه الدين عبد العزيز بن عيسى اللخمي قارئ الحافظ السلفي : توفي الحافظ في صبيحة يوم الجمعة خامس شهر ربيع الآخر سنة ست وسبعين وخمسمائة وله مائة سنة وست سنين ؛ كذا قال في سنه ، فوهم الوجيه .

                                                                                      ثم قال : ولم يزل يقرأ عليه الحديث يوم الخميس إلى أن غربت الشمس من ليلة وفاته ، وهو يرد على القارئ اللحن الخفي ، وصلى يوم الجمعة الصبح عند انفجار الفجر ، وتوفي بعدها فجاءة .

                                                                                      قلت : وكذا أرخ موته غير واحد -رحمه الله وغفر له- وقبره معروف بظاهر الإسكندرية ، وكان يطأ أهله ويتمتع وإلى قريب وفاته ، وإنما تزوج وقد أسن بعد سنة خمسين وخمسمائة .

                                                                                      قال ابن خلكان : لقبه صدر الدين .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية