الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 60 ] باب ما يفعل قبل الصلاة

وهي ست فرائض : طهارة البدن من النجاستين ، وطهارة الثوب ، وطهارة المكان ، وستر العورة ، واستقبال القبلة ، والنية ، وعورة الرجل ما تحت سرته إلى تحت ركبتيه ، وكذلك الأمة وبطنها وظهرها عورة ، وجميع بدن الحرة عورة إلا وجهها وكفيها ; وفي القدم روايتان ، ومن لم يجد ما يزيل به النجاسة صلى معها ولم يعد ، ومن لم يجد ثوبا صلى عريانا قاعدا موميا ، وهو أفضل من القيام ، ومن كان بحضرة الكعبة يتوجه إلى عينها ، وإن كان نائيا عنها يتوجه إلى جهتها ، وإن كان خائفا يصلي إلى أي جهة قدر ، وإن اشتبهت عليه القبلة وليس له من يسأله اجتهد وصلى ولا يعيد ( ف ) وإن أخطأ ، فإن علم بالخطأ وهو في الصلاة استدار وبنى ، . . وإن صلى بغير اجتهاد فأخطأ أعاد ، وينوي الصلاة التي يدخل فيها نية متصلة بالتحريمة ، وهي أن يعلم بقلبه أي صلاة هي ولا معتبر باللسان ، وإن كان مأموما ينوي فرض الوقت والمتابعة .

التالي السابق


باب ما يفعل قبل الصلاة

( وهي ست فرائض : طهارة البدن من النجاستين ، وطهارة الثوب ، وطهارة المكان وستر العورة ، واستقبال القبلة ، والنية ) أما طهارة البدن فلقوله - عليه الصلاة والسلام - : " لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه " الحديث ، وأنه يوجب الطهارة من النجاسة الحكمية ، وقوله - عليه الصلاة والسلام - : " اغسلي عنك الدم وصلي " ، يوجب الطهارة عن النجاسة الحقيقية .

[ ص: 61 ] وأما طهارة الثوب فلقوله تعالى : ( وثيابك فطهر ) . وأما المكان فلقوله تعالى : ( وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود ) . وأما ستر العورة فلقوله تعالى : ( يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد ) قال أئمة التفسير : هو ما يواري العورة ، والمستحب أن يصلي في ثلاثة أثواب : قميص وإزار وعمامة ، ولو صلى في ثوب واحد يتوشح به جاز . قال - عليه الصلاة والسلام - : " أو كلكم يجد ثوبين ؟ " حين سئل عن الصلاة في ثوب واحد . وقال أبو الدرداء : " صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثوب واحد متوشحا به قد خالف بين طرفيه " ، ولا يجوز للمرأة إلا أن تستر بالثوب الواحد رأسها وجميع بدنها . ويكره أن يصلي في السراويل وحده لما روي : " أنه - عليه الصلاة والسلام - نهى أن يصلي الرجل في ثوب ليست على عاتقه منه شيء " .

قال أبو حنيفة : الصلاة في السراويل يشبه فعل أهل الجفاء ، وفي الثوب يتوشح به أبعد من الجفاء ، وفي قميص ورداء عادة الناس .

قال : ( وعورة الرجل ما تحت سرته إلى تحت ركبته ) لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " عورة الرجل ما دون سرته حتى يجاوز ركبتيه " ، وقوله - عليه الصلاة والسلام - : " الركبة من العورة " ولأن الركبة ملتقى عظم الساق والفخذ ، فقلنا بكونها عورة احتياطا .

قال : ( وكذلك الأمة ) بل أولى .

[ ص: 62 ] ( وبطنها وظهرها عورة ) لأنه موضع مشتهى ، فأشبه ما بين السرة والركبة ، والمكاتبة والمدبرة وأم الولد كالأمة .

قال : ( وجميع بدن الحرة عورة ) قال - عليه الصلاة والسلام - : " الحرة عورة مستورة " .

قال : ( إلا وجهها وكفيها ) لقوله تعالى : ( ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ) قال ابن عباس : الكحل والخاتم . ومن ضرورة إبداء الزينة إبداء موضعها ، فالكحل زينة الوجه ، والخاتم زينة الكف ، ولأنها تحتاج إلى كشف ذلك في المعاملات فكان فيه ضرورة .

( وفي القدم روايتان ) الصحيح أنها ليست بعورة في الصلاة ، وعورة خارج الصلاة ، ولو انكشف ذراعها جازت صلاتها ، لأنها من الزينة الظاهرة وهو السوار ، وتحتاج إلى كشفه في الخدمة كالطبخ والخبز ، وستره أفضل . والعورة عورتان : غليظة وهي السوءتان ، وخفيفة وهي ما سواهما ، فالمانع من الغليظة ما تبدو زيادة على قدر الدرهم ، وفي الخفيفة ربع العضو كما في النجاسات ، والذكر عضو بانفراده ، وكذلك الأنثيان .

قال : ( ومن لم يجد ما يزيل به النجاسة صلى معها ولم يعد ) لأن التكليف بقدر الوسع ، فإن كان الطاهر ربع الثوب أو أكثر صلى فيه ولا يصلي عريانا ؛ لأن الربع قائم مقام الكل شرعا على ما عرف ، وإن كان دون الربع فكذلك عند محمد ، لأنه ترك فرضا واحدا ، والعريان يترك فروضا . وقالا يتخير ، والصلاة فيه أفضل لأن كل واحد من الصلاة عريانا ومع النجاسة مانع عند الاختيار ، إلا أنه إذا صلى في الثوب النجس يستر عورته ، وأنه واجب في الصلاة وخارجها فكان أولى .

قال : ( ومن لم يجد ثوبا صلى عريانا قاعدا موميا ، وهو أفضل من القيام ) لأنه ابتلي ببليتين فيختار أيهما شاء ، إلا أن القعود أولى ; لأن الإيماء خلف عن الأركان ولا خلف عن ستر العورة ، وقد روي أن الصحابة صلوا كذلك .

[ ص: 63 ] ( و ) أما استقبال القبلة فلقوله تعالى : ( فولوا وجوهكم شطره ) فكل .

( من كان بحضرة الكعبة يتوجه إلى عينها ، وإن كان نائيا عنها يتوجه إلى جهتها ) لقيام الجهة عند العجز مقام عينها ; لأن التكليف بقدر الطاقة .

قال : ( وإن كان خائفا يصلي إلى أي جهة قدر ) لقوله تعالى : ( فأينما تولوا فثم وجه الله ) ويستوي فيه الخوف من العدو والسبع ، أو أن يكون على خشبة في البحر يخاف إن توجه إلى القبلة غرق لتحقق العجز بالعذر ، والقبلة موضع الكعبة والهواء من هناك إلى عنان السماء ، ولا اعتبار بالبناء لأنه ينقل ، ولا تجوز الصلاة إلى حجارته ، ولو صلى على جبل أعلى من الكعبة جاز ، فدل أنه لا اعتبار بالبناء .

قال : ( وإن اشتبهت عليه القبلة وليس له من يسأل اجتهد وصلى ، ولا يعيد وإن أخطأ ) لما روي أن جماعة من الصحابة اشتبهت عليهم القبلة في ليلة مظلمة ، فصلى كل واحد منهم إلى جهة وخط بين يديه خطا ، فلما أصبحوا وجدوا الخطوط إلى غير القبلة ، فأخبروا بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " تمت صلاتكم " ، وفي رواية : " لا إعادة عليكم " ، ولأن الواجب عليه التوجه إلى جهة التحري إذ التكليف بقدر الوسع .

قال : ( فإن علم بالخطأ وهو في الصلاة استدار وبنى ) لما روي : " أن أهل قباء لما بلغهم نسخ القبلة وهم في صلاة الفجر استداروا إليها " ، وهذا لأنه كما علم بالقبلة صار فرضه التوجه إليها فيستدير ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - استحسن فعل أهل قباء ولم يأمرهم بالإعادة .

[ ص: 64 ] قال : ( وإن صلى بغير اجتهاد فأخطأ أعاد ) وكذلك إن كان عنده من يسأله فلم يسأله ; لأنه ترك واجب الاستدلال بالتحري والسؤال ، فإن علم أنه أصاب فلا إعادة عليه لوجود التوجه إلى القبلة ، ولو شرع لا بالتحري ثم علم في الصلاة أنه أصاب يستأنف التحريمة . وقال أبو يوسف : يمضي فيها ، لأنه لو قطعها يستأنف إلى هذه الجهة فلا فائدة فيه . ولهما أن حاله بعد العلم أقوى لتيقنه بجهة القبلة ، وبناء القوي على الضعيف لا يجوز ، ولهذا قلنا المومي إذا قدر على الركوع والسجود لا يبني ، لأنه بناء القوي على الضعيف كذا هنا ، ومن أداه اجتهاده إلى جهة فصلى إلى غيرها فسدت وإن علم أنه أصاب القبلة .

وقال أبو يوسف : هي جائزة لحصول المقصود وهو إصابة القبلة . ولهما أنه ترك فرضا لزمه عند الافتتاح وهو الصلاة إلى جهة التحري ، فصار كما إذا ترك النية ونحوها . وأما النية فلقوله - عليه الصلاة والسلام - : " إنما الأعمال بالنيات " ، ولأنه لا إخلاص إلا بالنية ، وقد أمرنا بالإخلاص . قال تعالى : ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) .

قال : ( وينوي الصلاة التي يدخل فيها نية متصلة بالتحريمة ، وهي أن يعلم بقلبه أي صلاة هي ، ولا معتبر باللسان ) لأن النية عمل القلب . قال محمد بن الحسن : النية بالقلب فرض ، وذكرها باللسان سنة ، والجمع بينهما أفضل ; والأحوط أن ينوي مقارنا للشروع : أي مخالطا للتكبير كما قاله الطحاوي . وعن محمد فيمن خرج من منزله يريد الفرض في جماعة ، فلما انتهى إلى الإمام كبر ولم تحضره النية يجوز لأنه باق على نيته بالإقبال على تحقيق ما نوى ، ثم إن كان يريد التطوع يكفيه نية أصل الصلاة ، وفي القضاء يعين الفرض ، وفي الوقتية ينوي فرض الوقت أو ظهر الوقت .

( وإن كان مأموما ينوي فرض الوقت والمتابعة ) أو ينوي الشروع في صلاة الإمام أو ينوي الاقتداء بالإمام في صلاته .




الخدمات العلمية