الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      خوارزمشاه

                                                                                      السلطان الكبير جلال الدين منكوبري ابن السلطان الكبير علاء الدين [ ص: 327 ] محمد ابن السلطان خوارزمشاه تكش ابن خوارزمشاه أرسلان ابن الملك آتسز بن محمد بن نوشتكين الخوارزمي .

                                                                                      تملك البلاد ، ودانت له الأمم ، وجرت له عجائب وعندي سيرته في مجلد . ولما دهمت التتار البلاد الماوراء النهرية بادر والده علاء الدين وجعل جاليشه ولده جلال الدين في خمسة عشر ألفا ، فتوغل في البلاد ، وأحاطت به المغول ، فالتقاهم ، فانكسر ، وتخلص بعد الجهد ، وتوصل . وأما أبوه فما زال متقهقرا بين يدي العدو حتى مات غريبا سنة سبع عشرة وستمائة في جزيرة من البحر .

                                                                                      قال الشهاب النسوي الموقع

                                                                                      كان جلال الدين أسمر تركيا قصيرا منعجم العبارة ، يتكلم بالتركية وبالفارسية . وأما شجاعته فحسبك ما أوردته من وقعاته ، فكان أسدا ضرغاما ، وأشجع فرسانه إقداما ، لا غضوبا ولا شتاما ، وقورا ، لا يضحك إلا تبسما ، ولا يكثر كلاما ، وكان يختار العدل غير أنه صادف أيام الفتنة فغلب .

                                                                                      وقال الموفق عبد اللطيف : كان أسمر أصفر نحيفا سمجا لأن أمه [ ص: 328 ] هندية ، وكان يلبس طرطورا فيه من شعر الخيل مصبغا بألوان ، وكان أخوه غياث الدين أجمل الناس صورة وأرقهم بشرة ، لكنه ظلوم وأمه تركية .

                                                                                      قلت : وكان عسكره أوباشا فيهم شر وفسق وعتو .

                                                                                      قال الموفق : الزنا فيهم فاش واللواط غير معذوق بكبر ولا صغر والغدر خلق لهم ، أخذوا تفليس بالأمان ، ثم غدروا وقتلوا وسبوا .

                                                                                      قلت : كان يضرب بهم المثل في النهب والقتل ، وعملوا كل قبيح ، وهم جياع مجمعة ، ضعاف العدد والخيل . التقى جلال الدين التتار ، فهزمهم ، وهلك مقدمهم ابن جنكزخان ، فعظم على أبيه وقصده فالتقى الجمعان على نهر السند ، فانهزم جنكزخان ثم خرج له كمين فتفلل جمع جلال الدين وفر إلى ناحية غزنة في حال واهية ، ومعه أربعة آلاف في غاية الضعف ، فتوجه نحو كرمان فأحسن إليه ملكها ، فلما تقوى غدر به وقتله وسار إلى شيراز وعسكره على بقر وحمير ومشاة ففر منه صاحبها ، وجرت له أمور يطول شرحها ما بين ارتقاء وانخفاض ، وهابته التتار ، ولولاه لداسوا الدنيا .

                                                                                      وقد ذهب إليه محيي الدين ابن الجوزي رسولا فوجده يقرأ في مصحف ويبكي ، ثم اعتذر عما يفعله جنده بكثرتهم ، وعدم طاعتهم ، وقد [ ص: 329 ] تقاذفت به البلاد إلى الهند ثم إلى كرمان ثم إلى أعمال العراق ، وساق إلى أذربيجان ، فاستولى على كثير منها ، وغدر بأتابك أزبك ، وأخرجه من بلاده ، وأخذ زوجه ابنة السلطان طغرل ، فتزوجها ، ثم عمل مصافا مع الكرج فطحنهم ، وقتل ملوكهم ، وقوي ملكه ، وكثرت جموعه ، ثم في الآخر تلاشى أمره لما كسره الملك الأشرف موسى وصاحب الروم بناحية أرمينية ، ثم كبسته التتار ليلة ، فنجا في نحو من مائة فارس ، ثم تفرقوا عنه إلى أن بقي وحده .

                                                                                      فألح في طلبه خمسة عشر من التتار فثبت لهم وقتل اثنين فأحجموا عنه ، وصعد في جبل بناحية آمد ينزله أكراد فأجاره كبير منهم ، وعرف أنه السلطان ، فوعده بكل خير ، ففرح الكردي ، وذهب ليحضر خيلا له ويعلم بني عمه ، وتركه عند أمه ، فجاء كردي فيه جرأة فقال : ليش تخلوا هذا الخوارزمي عندكم ؟ قيل : اسكت هذا هو السلطان ، فقال : لأقتلنه فقد قتل أخي بخلاط ، ثم شد عليه بحربة ، قتله في الحال في نصف شوال سنة ثمان وعشرين وستمائة .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية