الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          735 - مسألة : فمن تعمد ذاكرا لصومه شيئا مما ذكرنا فقد بطل صومه ، ولا يقدر على قضائه إن كان في رمضان أو في نذر معين ، إلا في تعمد القيء خاصة فعليه القضاء .

                                                                                                                                                                                          برهان ذلك - : أن وجوب القضاء في تعمد القيء قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا قبل هذه المسألة بمسألتين ; ولم يأت في فساد الصوم بالتعمد للأكل أو الشرب أو الوطء : نص بإيجاب القضاء ، وإنما افترض تعالى رمضان - لا غيره - على الصحيح المقيم العاقل البالغ ، فإيجاب صيام غيره بدلا منه إيجاب شرع لم يأذن الله تعالى به ، فهو باطل ، ولا فرق بين أن يوجب الله تعالى صوم شهر مسمى فيقول قائل : إن صوم غيره ينوب عنه ، بغير نص وارد في ذلك - : وبين من قال : إن الحج إلى غير مكة ينوب عن الحج إلى مكة ، والصلاة إلى غير الكعبة تنوب عن الصلاة إلى الكعبة ، وهكذا في كل شيء .

                                                                                                                                                                                          قال الله تعالى : { تلك حدود الله فلا تعتدوها } .

                                                                                                                                                                                          وقال تعالى : { ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه } .

                                                                                                                                                                                          فإن قالوا : قسنا كل مفطر بعمد في إيجاب القضاء على المتقي عمدا قلنا : القياس كله باطل ، ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل ; لأنهم أول من نقض هذا القياس ؟ فأكثرهم لم يقس المفطر عمدا بأكل أو شرب على المفطر بالقيء عمدا في إسقاط الكفارة عنهم كسقوطها عن المتقي عمدا ، وهم الحنفيون ، والمالكيون ، والشافعيون : قاسوهم على المفطر بالقيء عمدا ، ولم يقيسوهم كلهم على المجامع عمدا في وجوب الكفارة عليهم كلهم ; فقد تركوا القياس الذي يدعون فإن وجد من يسوي بين الكل في إيجاب القضاء والكفارة كلم في إبطال القياس فقط . [ ص: 309 ]

                                                                                                                                                                                          فإن ذكروا أخبارا وردت في إيجاب القضاء على المتعمد للوطء في نهار رمضان ؟ قيل : تلك آثار لا يصح فيها شيء - : لأن أحدها : من طريق أبي أويس عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الذي أفطر في رمضان بالكفارة وأن يصوم يوما } وأبو أويس ضعيف ، ضعفه ابن معين وغيره .

                                                                                                                                                                                          والثاني :

                                                                                                                                                                                          رويناه من طريق هشام بن سعد عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بأن يصوم يوما } وهشام بن سعد ضعفه أحمد بن حنبل ، وابن معين ، وغيرهما ، ولم يستجز الرواية عنه يحيى بن سعيد القطان .

                                                                                                                                                                                          والثالث : رويناه من طريق عبد الجبار بن عمر عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للواطئ في رمضان اقض يوما مكانه } ؟ وعبد الجبار بن عمر : ضعيف ، ضعفه البخاري ، وقال ابن معين : ليس بشيء ، وقال أبو داود السجستاني : هو منكر الحديث .

                                                                                                                                                                                          والرابع :

                                                                                                                                                                                          رويناه من طريق الحجاج بن أرطاة عن عطاء عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن { النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر الواطئ في نهار رمضان أن يصوم يوما مكانه } وهذا أسقطها كلها لأن الحجاج لا شيء ، ثم هي صحيفة ورويناه مرسلا من طريق مالك عن عطاء بن السائب عن سعيد بن المسيب ومن طريق ابن جريج عن نافع بن جبير بن مطعم .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق أبي معشر المدني { عن محمد بن كعب القرظي ; كلهم أن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 310 ] أمره بقضاء يوم } . وهذا كله مرسل

                                                                                                                                                                                          ، ولا تقوم بالمرسل حجة ؟ وتالله لو صح منها خبر واحد - مسند من طريق الثقات - لسارعنا إلى القول به فإن لجوا وقالوا : المرسل حجة ، ولا نضعف المحدثين ؟ قلنا لهم : فلا عليكم حدثنا يوسف بن عبد الله النمري ثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا قاسم بن أصبغ ثنا مطرف بن قيس ثنا يحيى بن بكير ثنا مالك عن عطاء الخراساني عن سعيد بن المسيب قال : { جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يضرب نحره وينتف شعره ويقول : هلك الأبعد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ذاك ؟ قال : أصبت أهلي في رمضان وأنا صائم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تستطيع أن تعتق رقبة ؟ قال : لا ، قال : تستطيع أن تهدي بدنة ؟ قال : لا ، قال : فاجلس فأتي بعرق تمر وذكر باقي الخبر } .

                                                                                                                                                                                          وهكذا رويناه من طريق ابن جريج ومعمر عن عطاء الخراساني عن سعيد بن المسيب - : فليأخذوا بالبدنة في الكفارة في ذلك ; وإلا فالقوم متلاعبون ؟ وقلنا لهم : لو أردنا التعلق بما لا يصح لوجدنا خيرا من كل خبر تعلقتم به هاهنا ، كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن بشار ثنا يحيى هو ابن سعيد القطان - وعبد الرحمن بن مهدي قالا جميعا : ثنا سفيان هو الثوري - عن حبيب بن أبي ثابت حدثني أبو المطوس عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من أفطر يوما من رمضان - من غير رخصة ولا مرض - لم يقض عنه صيام الدهر وإن صامه } . [ ص: 311 ]

                                                                                                                                                                                          قال أحمد بن شعيب : وأنبأنا مؤمل بن هشام ثنا إسماعيل عن شعبة عن حبيب بن أبي ثابت عن عمارة بن عمير عن أبي المطوس عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من أفطر يوما من رمضان - من غير رخصة رخصها الله لم يقض عنه صوم الدهر } .

                                                                                                                                                                                          قال أحمد بن شعيب : أنبأنا محمود بن غيلان ثنا أبو داود الطيالسي ثنا شعبة ، قال : أخبرني حبيب بن أبي ثابت قال : سمعت عمارة بن عمير يحدث عن أبي المطوس ، قال حبيب : وقد رأيت أبا المطوس ، فصح لقاؤه إياه فهذا أحسن من كل ما تعلقوا به ؟ وأما نحن فلا نعتمد عليه ; لأن أبا المطوس غير مشهور بالعدالة ، ويعيذنا الله من أن نحتج بضعيف إذا وافقنا ، ونرده إذا خالفنا ؟ وقال بمثل قولنا أفاضل السلف - : روينا من طريق عبد الله بن المبارك عن هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الرحمن بن البيلماني : أن أبا بكر الصديق قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما فيما أوصاه به : من صام شهر رمضان في غيره لم يقبل منه ولو صام الدهر أجمع .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق سفيان الثوري عن عبد الله بن سنان عن عبد الله بن أبي الهذيل عن عمر بن الخطاب أنه أتي بشيخ شرب الخمر في رمضان ، فقال للمنخرين للمنخرين ولداننا صيام ثم ضربه ثمانين وصيره إلى الشام . [ ص: 312 ]

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : ولم يذكر قضاء ولا كفارة ؟ ومن طريق سفيان عن عطاء بن أبي مروان عن أبيه : أن علي بن أبي طالب أتي بالنجاشي قد شرب الخمر في رمضان ، فضربه ثمانين ، ثم ضربه من الغد عشرين ، وقال : ضربناك العشرين لجرأتك على الله وإفطارك في رمضان ؟ قال علي : ولم يذكر قضاء ، ولا كفارة

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية