الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      4445 حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني أنهما أخبراه أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله وقال الآخر وكان أفقههما أجل يا رسول الله فاقض بيننا بكتاب الله وأذن لي أن أتكلم قال تكلم قال إن ابني كان عسيفا على هذا والعسيف الأجير فزنى بامرأته فأخبروني أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة وبجارية لي ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام وإنما الرجم على امرأته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله أما غنمك وجاريتك فرد إليك وجلد ابنه مائة وغربه عاما وأمر أنيسا الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر فإن اعترفت رجمها فاعترفت فرجمها

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( أن رجلين اختصما ) : أي ترافعا للخصومة ( اقض ) : أي احكم ( بيننا بكتاب الله ) : قال الطيبي : أي بحكمه إذ ليس في القرآن الرجم . قال تعالى لولا كتاب من الله سبق لمسكم أي الحكم بأن لا يؤاخذ على جهالة . ويحتمل أن يراد به القرآن وكان ذلك قبل أن [ ص: 100 ] تنسخ آية الرجم لفظا ( وكان أفقههما ) : يحتمل أن يكون الراوي كان عارفا بهما قبل أن يتحاكما ، فوصف الثاني بأنه أفقه من الأول مطلقا ، أو في هذه القضية الخاصة ، أو استدل بحسن أدبه في استئذانه أولا وترك رفع صوته إن كان الأول رفعه . كذا في إرشاد الساري ( أجل ) : بفتحتين وسكون اللام أي نعم ( فاقض بيننا بكتاب الله ) : وإنما سألا أن يحكم بينهما بحكم الله وهما يعلمان أنه لا يحكم إلا بحكم الله ليفصل بينهما بالحكم الصرف لا بالتصالح والترغيب فيما هو الأرفق بهما إذ للحاكم أن يفعل ذلك ولكن برضا الخصمين ( عسيفا ) : بفتح العين وكسر السين المهملتين وبالفاء أي أجيرا ( على هذا ) : أي عنده أو على بمعنى اللام قاله القسطلاني ( والعسيف الأجير ) : هذا التفسير مدرج من بعض الرواة ( فأخبروني ) : أي بعض العلماء ( فافتديت منه ) : أي من ولدي قاله القاري .

                                                                      وقال القسطلاني : أي من الرجم وكلاهما صحيح ( بمائة شاة وبجارية لي ) : أي أعطيتهما فداء وبدلا عن رجم ولدي ( ثم إني سألت أهل العلم ) : أي كبراءهم وفضلاءهم ( أن على ابني جلد مائة ) : بفتح الجيم أي ضرب مائة جلدة لكونه غير محصن ( وتغريب عام ) : أي إخراجه عن البلد سنة ( وإنما الرجم على امرأته ) : أي لأنها محصنة ( أما ) : بتخفيف الميم بمعنى ألا للتنبيه ( فرد إليك ) : أي مردود إليك ، وفيه دليل على أن المأخوذ بالعقود الفاسدة كما في هذا الصلح الفاسد لا يملك بل يجب رده على صاحبه ( وجلد ابنه ) : قال في القاموس جلده ضربه بالسوط ( وغربه عاما ) : أي أخرجه من البلد سنة .

                                                                      قال في النيل : فيه دليل على ثبوت التغريب ووجوبه على من كان غير محصن وقد ادعى محمد بن نصر في كتاب الإجماع الاتفاق على نفي الزاني البكر إلا عن الكوفيين . وقال ابن المنذر : أقسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قصة العسيف أنه يقضي بكتاب [ ص: 101 ] الله تعالى ثم قال إن عليه جلد مائة وتغريب عام وهو المبين لكتاب الله تعالى وخطب عمر بذلك على رؤوس المنابر وعمل به الخلفاء الراشدون ولم ينكره أحد فكان إجماعا انتهى ( وأمر أنيسا ) : بضم الهمزة وفتح النون وآخره سين مهملة مصغرا هو ابن الضحاك الأسلمي على الأصح ( فإن اعترفت ) : أي بالزنا ( فرجمها ) : أي أنيس تلك المرأة .

                                                                      قال القسطلاني : وإنما بعثه لإعلام المرأة بأن هذا الرجل قذفها بابنه ، فلها عليه حد القذف فتطالبه به أو تعفو إلا أن تعترف بالزنا فلا يجب عليه حد القذف بل عليها حد الزنا وهو الرجم لأنها كانت محصنة ، فذهب إليها أنيس فاعترفت به فأمر صلى الله عليه وسلم برجمها فرجمت قال النووي : كذا أوله العلماء من أصحابنا وغيرهم ولا بد منه لأن ظاهره أنه بعث لطلب إقامة حد الزنا وهو غير مراد لأن حد الزنا لا يتجسس له بل يستحب تلقين المقر به الرجوع فيتعين التأويل المذكور انتهى .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه . وفي حديث الترمذي والنسائي وابن ماجه ذكر شبل مع أبي هريرة وزيد بن خالد وقد قيل إن شبلا هذا لا صحبة له ويشبه أن يكون البخاري ومسلم تركاه لذلك ، وقيل لا ذكر له في الصحابة إلا في رواية ابن عيينة ولم يتابع عليها . وقال يحيى بن معين : ليست لشبل صحبة ويقال إنه شبل بن معبد ويقال ابن خليد ويقال ابن حامد ، وصوب بعضهم ابن معبد ، وأما أهل مصر فيقولون شبل بن حامد عن عبد الله بن مالك الأويسي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يحيى وهذا عندي أشبه لأن شبلا ليست له صحبة .

                                                                      وقال أبو حاتم الرازي : ليس لشبل معنى في حديث الزهري . هذا آخر كلامه وأنيس بضم الهمزة وفتح النون وسكون الياء آخر الحروف وسين مهملة قيل هو أبو الضحاك الأسلمي يعد في الشاميين ويخرج حديثه عنهم ، وقد حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .




                                                                      الخدمات العلمية