الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

فصل

القول على الله بغير علم

ويلي ذلك في كبر المفسدة : القول على الله بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله ، ووصفه بضد ما وصف به نفسه ووصفه به رسوله ، صلى الله عليه وسلم . فهذا أشد شيء مناقضة ومنافاة لكمال من له الخلق والأمر ، وقدح في نفس الربوبية وخصائص الرب ، فإن صدر ذلك عن علم فهو عناد أقبح من الشرك ، وأعظم إثما عند الله .

فإن المشرك المقر بصفات الرب خير من المعطل الجاحد لصفات كماله ، كما أن من أقر لملك بالملك ، ولم يجحد ملكه ولا الصفات التي استحق بها الملك ، لكن جعل معه شريكا في بعض الأمور ، يقربه إليه ، خير ممن جحد صفات الملك وما يكون به ملكا ، وهذا أمر مستقر في سائر الفطر والعقول .

فأين القدح في صفات الكمال والجحد لها ، من عبادة واسطة بين المعبود الحق وبين العابد ، يتقرب إليه بعبادة تلك الواسطة إعظاما له وإجلالا ؟

فداء التعطيل هذا الداء العضال الذي لا دواء له ، ولهذا حكى الله عن إمام المعطلة فرعون ، أنه أنكر على موسى ما أخبر به من أن ربه فوق السماوات ، فقال : ياهامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا [ سورة غافر : 36 - 37 ] .

واحتج الشيخ أبو الحسن الأشعري في كتبه على المعطلة بهذه الآية .

[ ص: 145 ] ولقد ذكرنا لفظه في غير هذا الكتاب . والقول على الله بلا علم والشرك متلازمان . ولما كانت هذه البدع المضلة جهلا بصفات الله وتكذيبا بما أخبر به عن نفسه وأخبر به عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم عنادا وجهلا - كانت من أكبر الكبائر ، وإن قصرت عن الكفر وكانت أحب إلى إبليس من كبار الذنوب .

كما قال بعض السلف : البدعة أحب إلى إبليس من المعصية : لأن المعصية يتاب منها والبدعة لا يتاب منها .

وقال إبليس : أهلكت بني آدم بالذنوب وأهلكوني بالاستغفار وبلا إله إلا الله ، فلما رأيت ذلك بثثت فيهم الأهواء ، فهم يذنبون ولا يتوبون ، لأنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا .

ومعلوم أن المذنب إنما ضرره على نفسه ، وأما المبتدع فضرره على النوع ، وفتنة المبتدع في أصل الدين ، وفتنة المذنب في الشهوة ، والمبتدع قد قعد للناس على صراط الله المستقيم يصدهم عنه ، والمذنب ليس كذلك ، والمبتدع قادح في أوصاف الرب وكماله ، والمذنب ليس كذلك .

والمبتدع يقطع على الناس طريق الآخرة ، والعاصي بطيء السير بسبب ذنوبه .

التالي السابق


الخدمات العلمية