الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 82 ] المسألة الثانية

وقت العصر .

اختلفوا من صلاة العصر في موضعين : أحدهما : في اشتراك أول وقتها مع آخر وقت صلاة الظهر . والثاني : في آخر وقتها ، فأما اختلافهم في الاشتراك فإنه اتفق مالك والشافعي وداود ، وجماعة على أن أول وقت العصر هو بعينه آخر وقت الظهر ، وذلك إذا صار ظل كل شيء مثله ، إلا أن مالكا يرى أن آخر وقت الظهر وأول وقت العصر هو وقت مشترك للصلاتين معا : ( أعني : بقدر ما يصلي فيه أربع ركعات ) وأما الشافعي ، وأبو ثور ، وداود فآخر وقت الظهر عندهم هو الآن الذي هو أول وقت العصر هو زمان غير منقسم .

وقال أبو حنيفة كما قلنا أول وقت العصر إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه ، وقد تقدم سبب اختلاف أبي حنيفة معهم في ذلك .

وأما سبب اختلاف مالك مع الشافعي ، ومن قال بقوله في هذه ، فمعارضة حديث جبريل في هذا المعنى لحديث عبد الله بن عمر ، وذلك أنه جاء في إمامة جبريل أنه صلى بالنبي - عليه الصلاة والسلام - الظهر في اليوم الثاني في الوقت الذي صلى فيه العصر في اليوم الأول .

وفي حديث ابن عمر أنه قال - عليه الصلاة والسلام - : " وقت الظهر ما لم يحضر وقت العصر " خرجه مسلم .

فمن رجح حديث جبريل جعل الوقت مشتركا ، ومن رجح حديث عبد الله لم يجعل بينهما اشتراكا ، وحديث جبريل أمكن أن يصرف إلى حديث عبد الله ، من حديث عبد الله إلى حديث جبريل ; لأنه يحتمل أن يكون الراوي تجوز في ذلك لقرب ما بين الوقتين ، وحديث إمامة جبريل صححه الترمذي ، وحديث ابن عمر خرجه مسلم .

وأما اختلافهم في آخر وقت العصر : فعن مالك في ذلك روايتان : إحداهما : أن آخر وقتها أن يصير ظل كل شيء مثليه ، وبه قال الشافعي ، والثانية أن آخر وقتها ما لم تصفر الشمس ، وهذا قول أحمد بن حنبل ، وقال أهل الظاهر : آخر وقتها قبل غروب الشمس بركعة .

والسبب في اختلافهم أن في ذلك ثلاثة أحاديث متعارضة الظاهر أحدها : حديث عبد الله بن عمر خرجه مسلم وفيه : " فإذا صليتم العصر فإنه وقت إلى أن تصفر الشمس " وفي بعض رواياته : " وقت العصر ما لم تصفر الشمس " . والثاني : حديث ابن عباس في إمامة جبريل ، وفيه " أنه صلى به العصر في اليوم الثاني حين كان ظل كل شيء مثليه " .

والثالث : حديث أبي هريرة المشهور " من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس ، فقد أدرك العصر ، ومن أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح " فمن صار إلى ترجيح حديث إمامة جبريل جعل آخر وقتها المختار المثلين .

[ ص: 83 ] ومن صار إلى ترجيح حديث ابن عمر جعل آخر وقتها اصفرار الشمس .

ومن صار إلى ترجيح حديث أبي هريرة قال : وقت العصر إلى أن يبقى منها ركعة قبل غروب الشمس ، وهم أهل الظاهر كما قلنا .

وأما الجمهور فسلكوا في حديث أبي هريرة وحديث ابن عمر مع حديث ابن عباس إذ كان معارضا لهما كل التعارض ، مسلك الجمع لأن حديثي ابن عباس وابن عمر تتقارب الحدود المذكورة فيهما ، ولذلك قال مالك مرة بهذا ومرة بذلك .

وأما الذي في حديث أبي هريرة ، فبعيد منهما ومتفاوت فقالوا : حديث أبي هريرة إنما خرج مخرج أهل الأعذار‌‌‌‌‌‌‌ .

التالي السابق


الخدمات العلمية