الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : في بيان حكم الغناء واستماعه عند الأئمة الأربعة .

أما مالك فإنه نهى عن الغناء وعن استماعه ، وقال إذا اشترى جارية فوجدها مغنية كان له أن يردها بالعيب . وسئل مالك عما يرخص فيه أهل المدينة من الغناء ، فقال إنما يفعله عندنا الفساق .

وأما أبو حنيفة فإنه يكره الغناء ويجعله من الذنوب ، وكذلك مذهب أهل الكوفة سفيان وحماد وإبراهيم والشعبي وغيرهم لا اختلاف بينهم في ذلك ، ولا نعلم خلافا بين أهل البصرة في المنع منه .

قال الإمام ابن القيم في إغاثة اللهفان : مذهب أبي حنيفة في ذلك من أشد المذاهب ، وقوله فيه أغلظ الأقوال ، وقد صرح أصحابه بتحريم سماع الملاهي كلها كالمزمار والدف حتى الضرب بالقضيب ، وصرحوا أنه معصية توجب الفسق وترد به الشهادة ، وأبلغ من ذلك قالوا : إن السماع فسق والتلذذ به كفر ، هذا لفظهم ، وورد في ذلك حديث لا يصح رفعه قالوا ويجب عليه أن يجتهد في أن لا يسمعه إذا مر به أو كان في جواره .

وقال أبو يوسف في دار يسمع منها صوت المعازف والملاهي : ادخل عليهم بغير إذنهم ، لأن النهي عن المنكر فرض ، فلو لم يجز الدخول بغير إذن لامتنع الناس من إقامة الفروض . وأما الإمام الشافعي فقال في كتاب أدب القضاء : إن الغناء لهو مكروه يشبه الباطل والمحال ، من استكثر منه فهو سفيه ترد شهادته .

وصرح أصحابه العارفون بمذهبه بتحريمه ، وأنكروا من نسب إليه حله كالقاضي [ ص: 163 ] أبي الطيب الطبري والشيخ أبي إسحاق وابن الصباغ . قال الشيخ أبو إسحاق في التنبيه : ولا تصح يعني الإجارة على منفعة محرمة كالغناء والزمر وحمل الخمر ، ولم يذكر فيه خلافا .

وتقدم كلام الإمام النووي وابن الصلاح وكلام الإمام الشافعي في التغبير . وأما مذهب الإمام أحمد رضي الله عنه فقد تقدمت الإشارة إليه . وقد نص في أيتام ورثوا جارية مغنية فأرادوا بيعها ، فقال لا تباع إلا على أنها ساذجة ، فقالوا إذا بيعت مغنية ساوت عشرين ألفا أو نحوها ، وإذا بيعت ساذجة لا تساوي ألفين ، فقال لا تباع إلا على أنها ساذجة ، فلو كانت منفعة الغناء مباحة لما فوت هذا المال على الأيتام .

( الثاني ) : محل الخلاف إن لم يكن السماع من أجنبية . قال الإمام ابن القيم أو أمرد فأما سماعه من الأجنبية فمن أعظم المحرمات وأشدها إفسادا للدين .

قال الإمام الشافعي : وصاحب الجارية إذا جمع الناس لسماعها فهو سفيه ترد شهادته ، وغلظ القول فيه وقال هو دياثة ، فمن فعل ذلك كان ديوثا . قال القاضي أبو الطيب : وإنما جعل صاحبها سفيها لأنه دعا الناس إلى الباطل ، ومن دعا الناس إلى الباطل كان سفيها فاسقا . قال وأما العود والطنبور وسائر الملاهي فحرام ومستمعه فاسق ، واتباع الجماعة أولى من اتباع رجلين مطعون عليهما .

قال ابن القيم يريد بهما ( إبراهيم بن سعيد ( وعبيد الله بن الحسن ) فإنه قال وما خالف في الغناء إلا رجلان إبراهيم بن سعيد وعبيد الله ، فإن الساجي حكى عن إبراهيم أنه كان لا يرى به بأسا ، والثاني عبيد الله بن حسن العنبري قاضي البصرة وهو مطعون فيه . انتهى . .

التالي السابق


الخدمات العلمية