الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم إنا لم نعد في أنواع المرسل ونحوه ما يسمى في أصول الفقه (مرسل الصحابي) مثلما يرويه ابن عباس وغيره من أحداث الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسمعوه منه؛ لأن ذلك في حكم الموصول المسند؛ لأن روايتهم عن الصحابة، والجهالة بالصحابي غير قادحة؛ لأن الصحابة كلهم عدول. والله أعلم.

[ ص: 391 ]

التالي السابق


[ ص: 391 ] قوله: (ثم إنا لم نعد في أنواع المرسل ونحوه ما يسمى في أصول الفقه "مرسل الصحابي" مثلما يرويه ابن عباس وغيره من أحداث الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسمعوه منه؛ لأن ذلك في حكم الموصول المسند؛ لأن روايتهم عن الصحابة، والجهالة بالصحابي غير قادحة؛ لأن الصحابة كلهم عدول) انتهى.

وفيه أمران أحدهما: أن قوله: (لأن روايتهم عن الصحابة) ليس بجيد، بل الصواب أن يقال: لأن أكثر رواياتهم عن الصحابة؛ إذ قد سمع جماعة من الصحابة من بعض التابعين وسيأتي في كلام المصنف في النوع الحادي والأربعين أن ابن عباس وبقية العبادلة رووا عن كعب الأحبار، وهو من التابعين، وروى كعب أيضا عن التابعين، وقد صنف الحافظ أبو بكر الخطيب وغيره في [ ص: 392 ] رواية الصحابة عن التابعين، فبلغوا جمعا كثيرا، إلا أن الجواب عن ذلك أن رواية الصحابة عن التابعين غالبها ليست أحاديث مرفوعة، وإنما هي من الإسرائيليات، أو حكايات، أو موقوفات.

وبلغني أن بعض أهل العلم أنكر أن يكون قد وجد شيء من رواية الصحابة عن التابعين عن الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فرأيت أن أذكر هنا ما وقع لي من ذلك للفائدة.

فمن ذلك حديث سهل بن سعد، عن مروان بن الحكم، عن زيد بن ثابت، أن النبي صلى الله عليه وسلم أملى عليه: لا يستوي القاعدون من المؤمنين فجاء ابن أم مكتوم، الحديث، رواه البخاري والنسائي والترمذي، وقال: حسن صحيح.

[ ص: 393 ] وحديث السائب بن يزيد، عن عبد الرحمن بن عبد القاري، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه ما بين صلاة الفجر إلى صلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل" رواه مسلم [ ص: 394 ] وأصحاب السنن الأربعة.

وحديث جابر بن عبد الله، عن أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق، عن عائشة - رضي الله عنهم - أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجامع ثم يكسل هل عليهما من غسل؟ وعائشة جالسة، فقال: "إني لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل" أخرجه مسلم.

وحديث عمرو بن الحارث المصطلقي، عن ابن أخي [ ص: 395 ] زينب امرأة عبد الله بن مسعود، عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت: "خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن فإنكن أكثر أهل جهنم يوم القيامة" رواه الترمذي والنسائي، والحديث متفق عليه من غير ذكر ابن أخي زينب، جعلاه من رواية عمر بن الحارث عن زينب نفسها. والله أعلم.

[ ص: 396 ] وحديث يعلى بن أمية، عن عنبسة بن أبي سفيان، عن أخته أم حبيبة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صلى ثنتي عشرة ركعة بالنهار أو بالليل بني له بيت في الجنة" رواه النسائي.

وحديث عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن محمد بن أبي بكر الصديق، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألم تري أن قومك حين بنوا الكعبة قصروا عن قواعد إبراهيم" الحديث، رواه الخطيب في كتاب (رواية الصحابة عن التابعين) بإسناد صحيح، والحديث متفق عليه من طريق مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، [ ص: 397 ] أن عبد الله بن محمد بن أبي بكر أخبر عبد الله بن عمر، عن عائشة بذلك. فجعله من رواية سالم، عن عبد الله بن محمد، وهذا يشهد لصحة طريق الخطيب أن ابن عمر سمعه من عبد الله بن محمد، عن عائشة. والله أعلم.

وحديث ابن عمر عن صفية بنت أبي عبيد، عن عائشة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للنساء في الخفين عند الإحرام" رواه الخطيب في الكتاب المذكور، والحديث عند أبي داود من طريق ابن إسحاق، قال: ذكرت لابن شهاب فقال: حدثني سالم أن عبد الله كان يصنع ذلك - يعني قطع الخفين للمرأة المحرمة - ثم حدثته صفية بنت أبي عبيد أن عائشة حدثتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان رخص للنساء في الخفين، فترك ذلك.

[ ص: 398 ] وحديث جابر بن عبد الله، عن أبي عمرو مولى عائشة، واسمه ذكوان، عن عائشة "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكون جنبا، فيريد الرقاد، فيتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يرقد" رواه أحمد في مسنده وفي إسناده ابن لهيعة.

وحديث ابن عباس قال: "أتى علي زمان وأنا أقول: أولاد المسلمين مع [ ص: 399 ] المسلمين، وأولاد المشركين مع المشركين حتى حدثني فلان عن فلان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنهم فقال: "الله أعلم بما كانوا عاملين" قال: فلقيت الرجل فأخبرني فأمسكت عن قولي. رواه أحمد في مسنده، وأبو داود الطيالسي أيضا في مسنده وإسناده صحيح. وبين راويه عن الطيالسي وهو يونس بن حبيب أن الصحابي المذكور في هذا الحديث هو أبي بن كعب، وكذا قال الخطيب، وترجم له في رواية الصحابة عن التابعين: عبد الله بن عباس عن صاحب لأبي بن كعب.

وحديث ابن عمر عن أسماء بنت زيد بن الخطاب، عن عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء لكل صلاة، طاهرا أو غير [ ص: 400 ] طاهر، فلما شق ذلك عليهم أمر بالسواك لكل صلاة". رواه أبو داود من طريق محمد بن إسحاق، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر قال: قلت: أرأيت توضأ ابن عمر لكل صلاة طاهرا أو غير طاهر عام ذاك؟ فقال: حدثته أسماء بنت زيد بن الخطاب أن عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر حدثها فذكره. وفي رواية علقها أبو داود، وأسندها الخطيب إلى عبيد الله بن عبد الله بن عمر، كذا أورده الخطيب في رواية عبد الله بن عمر عن أسماء.

والظاهر أنه من رواية ابنه عبيد الله بن عبيد الله بن عمر، عن أسماء، وإن كانت حدثت به عن ابن [ ص: 401 ] عمر نفسه، وكذا جعل المزي في (تهذيب الكمال) الراوي عنها عبد الله بن عبد الله بن عمر.

وحديث عمر عن أسماء بنت زيد بن الخطاب، عن عبد الله بن حنظلة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" رواه الخطيب فيه.

وحديث سليمان بن صرد، عن نافع بن [ ص: 402 ] جبير بن مطعم، عن أبيه قال: تذاكروا غسل الجنابة عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثا" الحديث، رواه الخطيب، وهو متفق عليه من رواية سليمان، عن جبير، ليس فيه نافع.

وحديث أبي الطفيل، عن بكر بن قرواش، عن سعد بن أبي وقاص، قال: قال [ ص: 403 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شيطان الردهة يحتذره رجل من بجيلة" الحديث، رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده، قال صاحب (الميزان): "بكر بن قرواش لا يعرف، والحديث منكر".

وحديث أبي هريرة، عن أم عبد الله بن أبي ذياب، عن أم سلمة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما ابتلى الله عبدا ببلاء وهو على طريقة يكرهها إلا جعل الله ذلك البلاء له كفارة" رواه ابن أبي الدنيا في كتاب المرض والكفارات، ومن طريقه الخطيب.

وحديث ابن عمر عن صفية بنت أبي عبيد، عن حفصة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من لم يجمع الصوم قبل الصبح فلا صوم له".

[ ص: 404 ] وحديث ابن عمر عن صفية، عن حفصة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يحرم من الرضاع إلا عشر رضعات فصاعدا" رواهما الخطيب، وفي إسنادهما محمد بن عمر الواقدي.

[ ص: 405 ] وحديث أنس، عن وقاص بن ربيعة، عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: "ابن آدم إنك إن دنوت منى شبرا دنوت منك ذراعا" الحديث.

وحديث أبي الطفيل، عن عبد الملك ابن أخي أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني "أنهم لن يسلطوا على قتلي ولن يفتنوني عن ديني" الحديث.

وحديث أبي أمامة، عن عنبسة بن أبي سفيان، عن أم حبيبة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من رجل مسلم يحافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعد الظهر فتمسه النار".

وحديث أبي الطفيل، عن حلام بن جزل، عن أبي ذر مرفوعا: "الناس [ ص: 406 ] ثلاث طبقات" الحديث.

روى هذه الأحاديث أيضا الخطيب بأسانيد ضعيفة.

فهذه عشرون حديثا من رواية الصحابة عن التابعين عن الصحابة مرفوعة، ذكرتها للفائدة. والله أعلم.

الأمر الثاني: أنه اعترض على المصنف في قوله: "ما يسمى في أصول الفقه" بأن المحدثين أيضا يذكرون مراسيل الصحابة فما وجه تخصيصه بأصول الفقه؟

والجواب: أن المحدثين وإن ذكروا مراسيل الصحابة فإنهم لم يختلفوا في الاحتجاج بها.

[ ص: 407 ] وأما الأصوليون فقد اختلفوا فيها:

فذهب الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني إلى أنه لا يحتج بها، وخالفه عامة أهل الأصول، فجزموا بالاحتجاج بها.

وفي بعض شروح المنار في الأصول الحنفية دعوى الاتفاق على الاحتجاج بها. ونقل الاتفاق مردود بقول الأستاذ أبي إسحاق. والله أعلم.




الخدمات العلمية