الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
[ ص: 121 ] فصل

الدرجة الرابعة : اعتماد القلب على الله ، واستناده إليه ، وسكونه إليه .

بحيث لا يبقى فيه اضطراب من تشويش الأسباب ، ولا سكون إليها ، بل يخلع السكون إليها من قلبه . ويلبسه السكون إلى مسببها .

وعلامة هذا أنه لا يبالي بإقبالها وإدبارها . ولا يضطرب قلبه ويخفق عند إدبار ما يحب منها ، وإقبال ما يكره ؛ لأن اعتماده على الله ، وسكونه إليه ، واستناده إليه ، قد حصنه من خوفها ورجائها . فحاله حال من خرج عليه عدو عظيم لا طاقة له به . فرأى حصنا مفتوحا ، فأدخله ربه إليه . وأغلق عليه باب الحصن . فهو يشاهد عدوه خارج الحصن . فاضطراب قلبه وخوفه من عدوه في هذه الحال لا معنى له .

وكذلك من أعطاه ملك درهما ، فسرق منه . فقال له الملك : عندي أضعافه . فلا تهتم . متى جئت إلي أعطيتك من خزائني أضعافه . فإذا علم صحة قول الملك ، ووثق به ، واطمأن إليه ، وعلم أن خزائنه مليئة بذلك - لم يحزنه فوته .

وقد مثل ذلك بحال الطفل الرضيع في اعتماده وسكونه . وطمأنينته بثدي أمه لا يعرف غيره . وليس في قلبه التفات إلى غيره ، كما قال بعض العارفين : المتوكل كالطفل . لا يعرف شيئا يأوي إليه إلا ثدي أمه ، كذلك المتوكل لا يأوي إلا إلى ربه سبحانه .

التالي السابق


الخدمات العلمية