الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

قال الدرجة الثالثة : الاضطرار . والوقوع في يد التقطع الوجداني . أو الاحتباس في بيداء قيد التجريد . وهذا فقر الصوفية .

الاضطرار : شهود كمال الضرورة ، والفاقة علما وحالا .

ويريد بالوقوع في يد التقطع الوجداني : حضرة الجمع التي ليس عندها أغيار . فهي منقطعة عن الأغيار ، وحدانية في نفسها . والوقوع في يدها : الاستسلام والإذعان لها . والدخول في رقها .

وقد تقدم أن حضرة الجمع عندهم : هي شهود الحقيقة الكونية ، ورؤيتها بنور الكشف ، حيث يشهدها منشأ جميع الكائنات . والكائنات عدم بالنسبة إليها .

وأما الاحتباس في بيداء قيد التجريد .

[ ص: 419 ] فهو تجريد الفردانية أن يشهد معها غيرها ، وهو الفناء عن شهود السوى .

وسمي ذلك احتباسا لأنه منع نفسه عن شهود الأغيار . وجعل للتجريد قيدا . وهو التقيد بشهود الحقيقة .

وجعل القيد بيداء لوجهين :

أحدهما : أن الأغيار تبيد فيه وتنعدم . ولا يكون معه سواه .

والثاني : لسعته وفضائه . فصاحب مشهده : في بيداء واسعة ، وإن احتبس في قيد شهوده .

وقوله : وهذا فقر الصوفية .

قد يفهم منه : أن التصوف أعلى عنده من الفقر . فإن هذه الدرجة الثالثة - التي هي أعلى درجات الفقر عنده - هي من بعض مقامات الصوفية .

وطائفة تنازعه في ذلك ، وتقول : التصوف دون هذا المقام بكثير . والتصوف وسيلة إلى هذا الفقر . فإن التصوف خلق . وهذا الفقر حقيقة ، وغاية لا غاية وراءها .

وقد تقدم ذكر الخلاف بين القوم في هذه المسألة . وحكينا فيها ثلاثة أقوال ، هذين .

والثالث : أنه لا يفضل أحدهما على الآخر . فإن كل واحد منهم لا تتم حقيقته إلا بالآخر . وهذا قول الشاميين . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية