الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
المرتبة الخامسة : الحياة التي أشار إليها المصنف ، وهي حياة العلم من موت الجهل ، فإن الجهل موت لأصحابه ، كما قيل :


وفي الجهل قبل الموت موت لأهله وأجسامهم قبل القبور قبور     وأرواحهم في وحشة من جسومهم
فليس لهم حتى النشور نشور

فإن الجاهل ميت القلب والروح ، وإن كان حي البدن فجسده قبر يمشي به على وجه الأرض ، قال الله تعالى : أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها ، وقال تعالى : إن هو إلا ذكر وقرآن مبين لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين ، وقال تعالى : : [ ص: 246 ] إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء ، وقال تعالى : إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور وشبههم في موت قلوبهم بأهل القبور ، فإنهم قد ماتت أرواحهم ، وصارت أجسامهم قبورا لها ، فكما أنه لا يسمع أصحاب القبور ، كذلك لا يسمع هؤلاء ، وإذا كانت الحياة هي الحس والحركة وملزومهما ، فهذه القلوب لما لم تحس بالعلم والإيمان ، ولم تتحرك له : كانت ميتة حقيقة ، وليس هذا تشبيها لموتها بموت البدن ، بل ذلك موت القلب والروح .

وقد ذكر الإمام أحمد في كتاب الزهد من كلام لقمان ، أنه قال لابنه : يا بني جالس العلماء ، وزاحمهم بركبتيك ، فإن الله يحيي القلوب بنور الحكمة ، كما يحيي الأرض بوابل القطر ، وقال معاذ بن جبل تعلموا العلم ، فإن تعلمه لله خشية ، وطلبه عبادة ، ومذاكرته تسبيح ، والبحث عنه جهاد ، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة ، وبذله لأهله قربة ؛ لأنه معالم الحلال والحرام ، ومنار سبل أهل الجنة ، وهو الأنيس في الوحشة ، والصاحب في الغربة ، والمحدث في الخلوة ، والدليل على السراء والضراء ، والسلاح على الأعداء ، والزين عند الأخلاء ، يرفع الله به أقواما ، فيجعلهم في الخير قادة ، وأئمة تقتص آثارهم ، ويقتدى بأفعالهم ، وينتهى إلى رأيهم ، ترغب الملائكة في خلتهم ، وبأجنحتها تمسحهم ، يستغفر لهم كل رطب ويابس ، وحيتان البحر وهوامه ، وسباع البر وأنعامه ؛ لأن العلم حياة القلوب من الجهل ، ومصابيح الأبصار من الظلم ، يبلغ العبد بالعلم منازل الأخيار ، والدرجات العلى في الدنيا والآخرة ، التفكر فيه يعدل الصيام ، ومدارسته تعدل القيام ، به توصل الأرحام ، وبه يعرف الحلال من الحرام ، وهو إمام العمل ، والعمل تابع له يلهمه السعداء ، ويحرمه الأشقياء . رواه الطبراني وابن عبد البر وغيرهما ، وقد روي مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، والوقف أصح .

[ ص: 247 ] والمقصود : قوله ؛ لأن العلم حياة القلوب من الجهل فالقلب ميت ، وحياته بالعلم والإيمان .

التالي السابق


الخدمات العلمية