الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما شرائط جواز النيابة فمنها : أن يكون المحجوج عنه عاجزا عن أداء الحج بنفسه وله مال فإن كان قادرا على الأداء بنفسه بأن كان صحيح البدن وله مال لا يجوز حج غيره عنه ; لأنه إذا كان قادرا على الأداء ببدنه وله مال ، فالفرض يتعلق ببدنه لا بماله ، بل المال يكون شرطا وإذا تعلق الفرض ببدنه لا تجزئ فيه النيابة كالعبادات البدنية المحضة .

                                                                                                                                وكذا لو كان فقيرا صحيح البدن لا يجوز حج [ ص: 213 ] غيره عنه ; لأن المال من شرائط الوجوب فإذا لم يكن له مال لا يجب عليه أصلا فلا ينوب عنه غيره في أداء الواجب ولا واجب .

                                                                                                                                ومنها : العجز المستدام من وقت الإحجاج إلى وقت الموت ، فإن زال قبل الموت لم يجز حج غيره عنه ; لأن جواز حج الغير عن الغير ثبت بخلاف القياس لضرورة العجز الذي لا يرجى زواله فيتقيد الجواز به ، وعلى هذا يخرج المريض أو المحبوس إذا أحج عنه أن جوازه موقوف إن مات - وهو مريض أو محبوس - جاز وإن زال المرض أو الحبس قبل الموت لم يجز والإحجاج من الزمن والأعمى على أصل أبي حنيفة جائز ; لأن الزمانة والعمى لا يرجى زوالهما عادة فوجد الشرط - وهو العجز المستدام - إلى وقت الموت ومنها : الأمر بالحج فلا يجوز حج الغير عنه بغير أمره ; لأن جوازه بطريق النيابة عنه ، والنيابة لا تثبت إلا بالأمر إلا الوارث يحج عن مورثه بغير أمره ، فإنه يجوز إن شاء الله تعالى بالنص ، ولوجود الأمر هناك دلالة على ما نذكر - إن شاء الله تعالى - ، ومنها : نية المحجوج عنه عند الإحرام ; لأن النائب يحج عنه لا عن نفسه ، فلا بد من نيته ، والأفضل أن يقول بلسانه لبيك عن فلان كما إذا حج عن نفسه ، ومنها : أن يكون حج المأمور بمال المحجوج عنه ، فإن تطوع الحاج عنه بمال نفسه لم يجز عنه حتى يحج بماله .

                                                                                                                                وكذا إذا كان أوصى أن يحج عنه بماله ومات ، فتطوع عنه وارثه بمال نفسه ; لأن الفرض تعلق بماله فإذا لم يحج بماله لم يسقط عنه الفرض ; ولأن مذهب محمد أن نفس الحج يقع للحاج ، وإنما للمحجوج عنه ثواب النفقة ، فإذا لم ينفق من ماله فلا شيء له رأسا ، ومنها : الحج راكبا حتى لو أمره بالحج فحج ماشيا يضمن النفقة ويحج عنه راكبا ; لأن المفروض عليه هو الحج راكبا فينصرف مطلق الأمر بالحج إليه فإذا حج ماشيا فقد خالف فيضمن ، وسواء كان الحاج قد حج عن نفسه ، أو كان صرورة أنه يجوز في الحالين جميعا إلا أن الأفضل أن يكون قد حج عن نفسه .

                                                                                                                                وقال الشافعي : لا يجوز حج الصرورة عن غيره ويقع حجه عن نفسه ويضمن النفقة ، واحتج بما روي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يلبي عن شبرمة قال له صلى الله عليه وسلم : ومن شبرمة ؟ فقال : أخ لي أو صديق لي فقال صلى الله عليه وسلم أحججت عن نفسك ؟ فقال : لا فقال صلى الله عليه وسلم : حج عن نفسك ثم عن شبرمة } فالاستدلال به من وجهين : أحدهما أنه سأله عن حجه عن نفسه .

                                                                                                                                ولولا أن الحكم يختلف لم يكن لسؤاله معنى ، والثاني : أنه أمره بالحج عن نفسه أولا ثم عن شبرمة ، فدل أنه لا يجوز الحج عن غيره قبل أن يحج عن نفسه ; ولأن حجه عن نفسه فرض عليه ، وحجه عن غيره ليس بفرض ، فلا يجوز ترك الفرض بما ليس بفرض ، ولنا حديث الخثعمية " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها حجي عن أبيك ، ولم يستفسر أنها كانت حجت عن نفسها أو كانت صرورة .

                                                                                                                                ولو كان الحكم يختلف لاستفسر ; ولأن الأداء عن نفسه لم يجب في وقت معين فالوقت كما يصلح لحجه عن نفسه يصلح لحجه عن غيره ، فإذا عينه لحجه عن غيره وقع عنه ; ولهذا قال أصحابنا : إن الصرورة إذا حج بنية النفل أنه يقع عن النفل ; لأن الوقت لم يتعين للفرض بل يقبل الفرض والنفل ، فإذا عينه للنفل تعين له إلا أن عند إطلاق النية يقع عن الفرض ; لوجود نية الفرض بدلالة حاله إذ الظاهر أنه لا يقصد النفل ، وعليه الفرض فانصرف المطلق إلى المقيد بدلالة حاله لكن الدلالة إنما تعتبر عند عدم النص بخلافها فإذا نوى التطوع ، فقد وجد النص بخلافها فلا تعتبر الدلالة إلا أن الأفضل أن يكون قد حج عن نفسه ; لأنه بالحج عن غيره يصير تاركا إسقاط الفرض عن نفسه ، فيتمكن في هذا الإحجاج ضرب كراهة ، ولأنه إذا كان حج مرة كان أعرف بالمناسك .

                                                                                                                                وكذا هو أبعد عن محل الخلاف فكان أفضل ، والحديث محمول على الأفضلية توفيقا بين الدلائل ، وسواء كان رجلا أو امرأة إلا أنه يكره إحجاج المرأة ، لكنه يجوز أما الجواز فلحديث الخثعمية .

                                                                                                                                وأما الكراهة فلأنه يدخل في حجها ضرب نقصان ; لأن المرأة لا تستوفي سنن الحج فإنها لا ترمل في الطواف وفي السعي بين الصفا والمروة ولا تحلق ، وسواء كان حرا أو عبدا بإذن المولى لكنه يكره إحجاج العبد أما الجواز فلأنه يعمل بالنيابة ، وما تجوز فيه النيابة يستوي فيه الحر والعبد كالزكاة ونحوها .

                                                                                                                                وأما الكراهة فلأنه ليس من أهل أداء الفرض عن نفسه فيكره أداؤه عن غيره والله الموفق .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية