الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( وأما ) بيان أعيان الشروط التي تعلق بها الطلاق والعتاق فالشروط التي تعلق بها الطلاق والعتاق لا سبيل إلى حصرها لكثرتها لتعلقها باختيار الفاعل فنذكر القدر الذي ذكره أصحابنا في كتبهم ، والمذكور من الشروط في كتبهم نوعان : .

                                                                                                                                أفعال حسية : وأمور شرعية ، أما النوع الأول : فالدخول والخروج والكلام والإظهار والإفشاء والإعلام والكتم والإسرار والإخفاء والبشارة والقراءة ونحوها والأكل والشرب والذوق والغداء والعشاء واللبس والسكنى والمساكنة والإيواء والبيتوتة والاستخدام والمعرفة وقبض الحق والاقتضاء والهدم والضرب والقتل وغيرها .

                                                                                                                                والنوع الثاني : وهو الحلف على أمور شرعية وما يقع منها على الصحيح والفاسد وعلى الصحيح دون الفاسد كالعطية والهبة والكسوة والركوب والجلوس والصدقة والإعارة والقرض والبيع والإجارة والشراء والتزوج والصلاة والصوم وأشياء أخر متفرقة نجمعها في فصل واحد في آخر الكتاب ، والأصل في هذه الشروط أن يراعى فيها لفظ الحالف في دلالته على المعنى لغة وما يقتضيه من الإطلاق والتقييد والتعميم والتخصيص إلا أن يكون معاني كلام الناس بخلافه فيحمل اللفظ عليه ويكون ذلك حقيقة عرفية وإنها تقضي على الحقيقة الوضعية .

                                                                                                                                والأصل فيه ما روي أن رجلا جاء إلى ابن عباس رضي الله عنهما وقال : إن صاحبا لنا مات وأوصى ببدنة أفتجزئ عنه البقرة ؟ فقال ابن عباس : رضي الله عنهما ممن صاحبكم ؟ فقال السائل : من بني رباح ، فقال ابن عباس : رضي الله عنهما متى اقتنت بنو رباح البقر إنما البقر للأزد وذهب وهم صاحبكم إلى الإبل فهذا الحديث أصل أصيل في حمل مطلق الكلام على ما يذهب إليه أوهام الناس ولأن العرف وضع طارئ على الوضع الأصلي ، والاصطلاح جار من أهل اللغة ، فالظاهر أن المتكلم يقصد بكلامه ذلك فيحمل عليه مطلق اللفظ ، وبهذا يبطل قول الشافعي : " إن الأيمان محمولة على الحقائق " يؤيد ما قلنا أن الغريم يقول لغريمه : والله لأجرنك في الشوك يريد به شدة المطل دون الحقيقة وقول مالك : " الأيمان محمولة على ألفاظ القرآن " غير سديد أيضا بدليل أن من حلف لا يجلس في سراج فجلس في الشمس لا يحنث ، وإن سمى الله تعالى الشمس سراجا بقوله عز وجل { وجعلنا الشمس سراجا } .

                                                                                                                                وكذا من حلف لا يجلس على بساط فجلس على الأرض لا يحنث وإن سماها الله - سبحانه وتعالى - في القرآن العظيم بساطا بقوله - عز وجل - { والله [ ص: 36 ] جعل لكم الأرض بساطا } .

                                                                                                                                وكذا من حلف لا يمس وتدا فمس جبلا لا يحنث وإن سمى الله - عز وجل - الجبل وتدا بقوله تعالى { والجبال أوتادا } فثبت أن ما قاله مالك غير صحيح ، والله أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية