الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وذكر محمد في الزيادات فيمن قال لعبده : أنت حر على ألف درهم ، أنت حر على مائة دينار ، فقال العبد : قد قبلت عتق ، وكان عليه المالان جميعا ، وكذا لو قال لامرأته : أنت طالق ثلاثا على ألف درهم ، أنت طالق ثلاثا على مائة دينار ، فقالت : قد قبلت ، طلقت ثلاثا بالمالين جميعا ، وهذا قول محمد ، وقال أبو يوسف في مسألة الطلاق : القبول على الكلام الأخير ، وهي طالق ثلاثا بمائة دينار ، قال الكرخي : وكذلك قياس قوله في العتق .

                                                                                                                                ووجهه أنه لما أوجب العتق بعوض ، ثم أوجبه بعوض آخر ، فقد انفسخ الإيجاب الأول فتعلق القبول بالثاني كما في البيع ولمحمد أن الإعتاق والطلاق على مال تعليق من جانب المولى والزوج ، وأنه لا يحتمل الانفساخ ، فلم يتضمن الإيجاب الثاني انفساخ الأول ، فيصح الإيجابان وينصرف القبول إليهما جميعا ، إذ هو يصلح جوابا لهما جميعا ، فيلزم المالان جميعا بخلاف البيع ; لأن إيجاب البيع يحتمل الفسخ ، فيتضمن الثاني انفساخ الأول ، ولو باع المولى العبد من نفسه ، أو وهب له نفسه على عوض ، فله أن يبيع العوض قبل القبض ; لأنه مملوك بسبب لا ينفسخ بهلاكه ، فجاز التصرف فيه قبل قبضه كالميراث ، وله أن يعتقه على مال مؤجل ويكون ذلك دينا عليه مؤجلا وله أن يشتري منه شيئا يدا بيد ولا خير فيه نسيئة ; لأن من أصل أصحابنا أن جميع الديون يجوز التصرف فيها قبل القبض كأثمان البياعات والعروض والغصوب إلا بدل الصرف والسلم ، إلا أنه لا بد من القبض في المجلس لئلا يكون افتراقا عن دين بدين ، ولو أعطاه كفيلا بالمال الذي أعتقه عليه فهو جائز ; لأنه صار حرا بالقبول والكفالة بدين على حر جائزة ، كالكفالة بسائر الديون ، وولاؤه يكون للمولى ; لأنه عتق على ملكه ، والمال دين على العبد ; لأنه في جانبه معاوضة ، والمولى أيضا لم يرض بخروجه عن ملكه إلا ببدل وقد قبله العبد والله عز وجل أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية