الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد بن إسحاق الأنماطي ، ثنا عبدان بن [ ص: 382 ] أحمد بن عمرو ، ثنا قاسم الجوعي ، قال : سمعت عبد الله الحذاء يقول : سمعت سهل بن إبراهيم ، يقول : " صحبت إبراهيم بن أدهم في سفر ، فأنفق علي نفقته كلها ، قال : ثم مرضت عليه ، فاشتهيت شهوة ، فذهب فأخذ حماره وباعه ، واشترى شهوتي فجاء بها ، فقلت : يا إبراهيم ، فأين الحمار ؟ قال : يا أخي بعناه ، قال : قلت : يا أخي فعلى أي شيء نركب ؟ قال : يا أخي ، على عنقي ، قال : فحمله على عنقه ثلاث منازل " قال : فقال الأوزاعي : ليس في هؤلاء القراء أفضل من إبراهيم بن أدهم ، فإنه أسخى القوم .

              حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ، ثنا أحمد بن الفضل العكي ، قال : سمعت أبي يقول : " مر إبراهيم بن أدهم بقيسارية وقد تعجل دينارا من الكرم ، فسمع صوت امرأة تصيح ، فقال : ما لهذه ؟ قالوا : تلد ، قال : وأي شيء يعمل بالمرأة ؟ قالوا : يشترى لها طحين وزيت ولحم وعسل ، فصرف ديناره واشترى زنبيلا وملأه طحينا ، واشترى زيتا ، وسمنا ، وعسلا ، ولحما ، وحمله على رقبته إلى الباب ، وقال : خذوا ، قال : فنظر فإذا هم أفقر بيت في أهل قيسارية وأعبدهم " .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ومحمد بن إبراهيم ، قالا : ثنا أبو يعلى الموصلي ، ثنا عبد الصمد بن يزيد ، قال : سمعت شقيق بن إبراهيم ، يقول : " بينا نحن ذات يوم عند إبراهيم ، إذ مر به رجل من الصناع ، فقال إبراهيم : أليس هذا فلانا ؟ قيل : نعم ، فقال لرجل : أدركه فقل له : قال لك إبراهيم : ما لك لم تسلم ؟ قال : لا والله ، إن امرأتي وضعت ، وليس عندي شيء فخرجت شبه المجنون ، فرجعت إلى إبراهيم وقلت له فقال : إنا لله كيف غفلنا عن صاحبنا حتى نزل به الأمر ؟ فقال : يا فلان ، ائت صاحب البستان فاستسلف منه دينارين ، وادخل السوق فاشتر له ما يصلحه بدينار ، وادفع الدينار الآخر إليه ، فدخلت السوق ، وأوقرت بدينار من كل شيء ، وتوجهت إليه ، فدققت الباب ، فقالت امرأته : من هذا ؟ قلت : أنا أردت فلانا ، قالت : ليس هو هنا ، قلت : فمري بفتح الباب وتنحي ، قال : ففتحت الباب ، فأدخلت ما على البعير وألقيته في صحن الدار ، وناولتها الدينار ، فقالت : على يدي من هذا ؟ قلت : قولي : على يد أخيك إبراهيم بن أدهم ، فقالت : اللهم لا تنس [ ص: 383 ] هذا اليوم لإبراهيم " .

              حدثنا أبو الحسين محمد بن محمد بن عبيد الله الجرجاني ، ثنا الحسن بن علي بن نصر الطوسي - بنيسابور - ثنا أحمد بن سعيد الدارمي ، ثنا محبوب بن موسى ، أخبرني علي بن بكار ، قال : " كنا جلوسا عند الجامع بالمصيصة ، وفينا إبراهيم بن أدهم ، فقدم رجل من خراسان ، فقال : أيكم إبراهيم بن أدهم ؟ فقال القوم : هذا ، أو قال : أنا هو ، قال : إن إخوتك بعثوني إليك ، فلما سمع ذكر إخوته قام فأخذ بيده فنحاه ، فقال : ما جاء بك ؟ قال : أنا مملوكك مع فرس وبغلة وعشرة آلاف درهم بعث بها إليك إخوتك ، قال : إن كنت صادقا فأنت حر ، وما معك فلك ، اذهب فلا تخبر أحدا ، قال : فذهب " ، قال : " وكان إبراهيم يطحن وإحدى رجليه مبسوطة والأخرى قد كفها ، فلا يكف تلك المبسوطة ، ولا يبسط تلك المكفوفة حتى يفرغ من مدين ، فإذا فرغ من مدين بسط تلك ، وكف هذه ، فيطحن مدين آخرين " .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية