الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم )

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم ) .

                                                                                                                                                                                                                                            اعلم أن الله تعالى مدح المؤمنين على غزوتين ، تعرف إحداهما بغزوة حمراء الأسد ، والثانية بغزوة بدر الصغرى ، وكلاهما متصلة بغزوة أحد ، أما غزوة حمراء الأسد فهي المراد من هذه الآية على ما سنذكره إن شاء الله تعالى ، وفي الآية مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : في محل ( الذين ) وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : وهو قول الزجاج أنه رفع بالابتداء وخبره ( للذين أحسنوا منهم ) إلى آخر هذه الآية .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أن يكون محله هو الخفض على النعت للمؤمنين .

                                                                                                                                                                                                                                            الثالث : أن يكون نصبا على المدح .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : في سبب نزول هذه الآية قولان :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول وهو الأصح : أن أبا سفيان وأصحابه لما انصرفوا من أحد وبلغوا الروحاء ندموا ، وقالوا : إنا قتلنا أكثرهم ولم يبق منهم إلا القليل فلم تركناهم ؟ بل الواجب أن نرجع ونستأصلهم ، فهموا بالرجوع فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأراد أن يرهب الكفار ويريهم من نفسه ومن أصحابه قوة ، فندب أصحابه إلى الخروج في طلب أبي سفيان وقال : لا أريد أن يخرج الآن معي إلا من كان معي في القتال ، فخرج الرسول صلى الله عليه وسلم مع قوم من أصحابه ، قيل كانوا سبعين رجلا حتى بلغوا حمراء الأسد ، وهو من المدينة على ثلاثة أميال ، فألقى الله الرعب في قلوب المشركين فانهزموا ، وروي أنه كان فيهم من يحمل صاحبه على عنقه ساعة ، ثم كان المحمول يحمل الحامل ساعة أخرى ، وكان كل ذلك لإثخان الجراحات فيهم ، وكان فيهم من يتوكأ على صاحبه ساعة ، ويتوكأ عليه صاحبه ساعة .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : قال أبو بكر الأصم : نزلت هذه الآية في يوم أحد لما رجع الناس إليه صلى الله عليه وسلم بعد الهزيمة فشد بهم على المشركين حتى كشفهم ، وكانوا قد هموا بالمثلة فدفعهم عنها بعد أن مثلوا بحمزة ، فقذف الله في قلوبهم الرعب فانهزموا ، وصلى عليهم صلى الله عليه وسلم ودفنهم بدمائهم ، وذكروا أن صفية جاءت لتنظر إلى أخيها حمزة فقال عليه الصلاة والسلام للزبير : ردها لئلا تجزع من مثلة أخيها ، فقالت : قد بلغني ما فعل به ، وذلك يسير في جنب طاعة الله تعالى ، فقال للزبير : فدعها تنظر إليه ، فقالت خيرا واستغفرت له . وجاءت امرأة قد قتل زوجها وأبوها وأخوها وابنها فلما رأت النبي صلى الله عليه وسلم وهو حي قالت : إن كل مصيبة بعدك هدر . فهذا ما قيل في سبب نزول هذه [ ص: 80 ] الآية ، وأكثر الروايات على الوجه الأول .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : استجاب : بمعنى أجاب ، ومنه قوله : ( فليستجيبوا لي ) وقيل : أجاب ، فعل الإجابة ، واستجاب : طلب أن يفعل الإجابة ، لأن الأصل في الاستفعال طلب الفعل ، والمعنى : أجابوا وأطاعوا الله في أوامره وأطاعوا الرسول من بعد ما أصابهم الجراحات القوية .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية