الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن شك هل مسح في الحضر أو السفر بنى الأمر على أنه مسح في الحضر ، لأن الأصل غسل الرجل والمسح رخصة بشرط فإذا لم يتيقن شرط الرخصة رجع إلى أصل الفرض وهو الغسل وإن شك هل أحدث في وقت الظهر أو في وقت العصر بنى الأمر على أنه أحدث في وقت الظهر لأن الأصل غسل الرجلين فلا يجوز المسح إلا فيما تيقنه ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) : هاتان المسألتان نص عليهما الشافعي رضي الله عنه في الأم هكذا ، واتفق الأصحاب عليهما ونقل الاتفاق عليهما إمام الحرمين وحكى الماوردي والروياني عن المزني أنه قال : تكون المدة من العصر لأن الأصل بقاء مدة المسح واحتج الأصحاب بما احتج به المصنف وهو أن الأصل غسل [ ص: 517 ] الرجل ، ثم ضابط المذهب أنه متى شك في ابتداء المدة أو انقضائها بنى على ما يوجب غسل الرجلين لأنه أصل متيقن فلا يترك بالشك . قال الشافعي رضي الله عنه في الأم والأصحاب : فإن حصل له هذا الشك ثم تذكر أنه مسح في السفر أو أنه لم تنقض المدة فله أن يصلي بذلك اللبس ويستبيح المسح إلى تمام المدة التي تذكرها قالوا : فإن كان صلى في حال الشك لزمه إعادة ما صلى في حال الشك ، لأنه صلى وهو يعتقد أنه يلزمه الطهارة فلزمه الإعادة كما لو تيقن الحدث وشك في الطهارة وصلى على شكه ثم تيقن أنه كان متطهرا فإنه يلزمه الإعادة بلا خلاف لأنه صلى شاكا من غير أصل يبنى عليه ، وكما لو صلى شاكا في دخول الوقت بغير اجتهاد فوافقه يلزمه الإعادة . وهذا الذي ذكرناه من وجوب إعادة ما صلى في حال شكه في بقاء مدة المسح متفق عليه قال أصحابنا ولا يجوز له أن يمسح في مدة الشك بل ينزع الخف ويستأنف المدة فلو مسح مع الشك ثم تذكر أن المدة لم تنقض لم يصح ذلك المسح بل يلزمه إعادته وفي وجوب استئناف الوضوء قولا تفريق الوضوء ، هكذا قطع به القفال في شرحه التلخيص ، وصاحبه القاضي حسين في تعليقه ، وصاحبه البغوي وآخرون ، وحكاه الشاشي في المعتمد والمستظهري عن شيخه الشيخ أبي إسحاق مصنف الكتاب وخالفهم صاحب الشامل فقال : مسحه في حال شكه صحيح لأن الطهارة تصح مع الشك في سببها كما لو شك في الحدث فتوضأ ينوي رفع الحدث ثم تيقن أنه كان محدثا فإنه تجزيه طهارته . وهذا الذي قاله صاحب الشامل ضعيف أو فاسد لأن العبادة وهي المسح وجدت في الشك فلم تصح كمسألة الصلاة السابقة وغيرها مما سبق وكما لو شك في القبلة فصلى بلا اجتهاد فوافق القبلة فإنه يلزمه الإعادة بلا خلاف



                                      وأما مسألة الحدث التي احتج بها فإن أراد أنه تيقن الطهارة وشك في الحدث فالأصح أنه إذا بان الحال وتيقن أنه كان محدثا لا يصح وضوءه بل يلزمه إعادته كما سبق بيانه في باب نية الوضوء ، وإن أراد أنه تيقن الحدث وشك في الطهارة فتوضأ مع شكه فإنه يجزيه فليست نظير مسألة المسح ، لأنه يجب عليه الوضوء وقد فعل ما وجب عليه بخلاف مسألة المسح . وأبطل الشاشي [ ص: 518 ] قول صاحب الشامل بنحو ما ذكرته قال : واستشهاده غير صحيح وهو في غير موضعه ، لأنه إذا شك في الحدث فهو مأمور بالطهارة إما استحسانا إن كان تيقن الطهارة وشك في الحدث ، وإما إيجابا إن كان عكسه . فإذا كان مأمورا بالطهارة ثم بان الحدث فقد تيقن وجود ما تطهر بسببه بخلاف ماسح الخف فإنه ممنوع منه في حال شكه والله أعلم



                                      ( فرع ) فيما يفعل من العبادات في حال الشك من غير أصل يرد إليه ولا يكون مأمورا به فلا يجزيه وإن وافق الصواب . فمن ذلك إذا شك في دخول وقت الصلاة فصلى بلا اجتهاد فوافق الوقت لا يجزيه وكذا لو شك الأسير ونحوه في دخول شهر رمضان فصام بلا اجتهاد فوافق رمضان ، أو شك إنسان في القبلة فصلى بلا اجتهاد فوافق القبلة ، أو شك المتيمم في دخول وقت الصلاة فتيمم لها بلا اجتهاد أو طلب الماء شاكا في دخول الوقت بلا اجتهاد فوافقه أو تيقن الحدث وشك في الطهارة فصلى شاكا فبان أنه كان متطهرا ، أو شك ليلة الثلاثين من شعبان هل هو من رمضان فصام بلا دليل شرعي فوافق رمضان . ففي كل هذه المسائل لا يجزيه ما فعله بلا خلاف ، ومثله لو وجبت عليه كفارة مرتبة فنوى الصوم من الليل قبل أن يطلب الرقبة ثم طلبها فلم يجدها لا يجزيه صومه إلا أن يجدد النية في الليل بعد العدم . وستأتي هذه المسائل مع نظائرها في مواطنها إن شاء الله تعالى مبسوطة . ولو اشتبه ماءان طاهر ونجس فتوضأ بأحدهما بلا اجتهاد وقلنا بالمذهب : إنه يجب الاجتهاد فبان أنه الطاهر لم يجزه على الأصح ، وقد سبق بيانه في باب الشك في نجاسة الماء فهذه أمثلة يستدل بها على نظائرها وسنوضحها مع نظائرها في مواطنها إن شاء الله تعالى . وأما غير العبادات فمنه ما لا يصح في حال الشك كما في العبادات ومنه ما يصح ومنه مختلف فيه ، فمن الأول ما إذا أخبر رجل بمولود له فقال : إن كان بنتا فقد زوجتكها أو قال : إن كانت بنتي طلقها زوجها أو مات وانقضت عدتها فقد زوجتكها أو كان تحته أربعة نسوة فقال له رجل : إن كانت إحداهن ماتت فقد زوجتك بنتي فبان الأمر كما قدر لم يصح النكاح على [ ص: 519 ] المذهب وبه قطع الجمهور وقيل فيه وجهان . ومن الثاني ما إذا رأى امرأة وشك هل هي زوجته أم أجنبية ؟ فقال : أنت طالق أو أنت حرة نفذ الطلاق والعتق بلا خلاف ومن الثالث إذا باع مال مورثه ظانا حياته فبان ميتا أو باع مالا يظنه لأجنبي فبان أن وكيله كان اشتراه له أو بان أن مالكه وكله في بيعه ولم يعلم ففي صحته وجهان ، وقيل قولان أصحهما الصحة ولكل واحد من هذه الأقسام نظائر سنذكرها واضحة بفروعها في مواضعها إن شاء الله تعالى والله أعلم .

                                      ( فرع ) ذكر صاحب التلخيص والقفال وآخرون من الأصحاب في هذا الموضع مسائل تتعلق بمسألة الشك في المسح وهي أن الأصل يترك بالشك في مسائل معدودة ، وقد قدمت أنا المسائل التي ذكروها مع الكلام عليها وضممت إليها نظائرها في آخر باب الشك في نجاسة الماء وبالله التوفيق




                                      الخدمات العلمية