الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 5975 ) فصل : فإن قال : أنت طالق إن شئت . أو : إذا شئت . أو : متى شئت . أو : كلما شئت . أو : كيف شئت . أو : حيث شئت . أو : أنى شئت . لم تطلق حتى تشاء ، وتنطق بالمشيئة بلسانها ، فتقول : قد شئت . لأن ما في القلب لا يعلم حتى يعبر عنه اللسان ، فتعلق الحكم بما ينطق به ، دون ما في القلب ، فلو شاءت بقلبها دون نطقها ، لم يقع طلاق ، ولو قالت : قد شئت . بلسانها وهي كارهة ، لوقع الطلاق ، اعتبارا بالنطق . وكذلك إن علق الطلاق بمشيئة غيرها . ومتى وجدت المشيئة باللسان ، وقع الطلاق ، سواء كان على الفور أو التراخي .

                                                                                                                                            نص عليه أحمد ، في تعليق الطلاق بمشيئة فلان ، وفيما إذا قال : أنت طالق حيث شئت . أو : أنى شئت . ونحو هذا قال الزهري ، وقتادة . وقال أبو حنيفة دون صاحبيه : إذا قال : أنت طالق كيف شئت . تطلق في الحال طلقة رجعية ; لأن هذا ليس بشرط ، وإنما هو صفة للطلاق الواقع بمشيئتها . ولنا ، أنه أضاف الطلاق إلى مشيئتها ، فأشبه ما لو قال : حيث شئت . وقال الشافعي في جميع الحروف : إن شاءت في الحال ، وإلا فلا تطلق ; لأن هذا تمليك للطلاق ، فكان على الفور ، كقوله : اختاري . وقال أصحاب الرأي في " إن " كقوله ، وفي سائر الحروف كقولنا ; لأن هذه الحروف صريحة في التراخي ، فحملت على مقتضاها ، بخلاف " إن " ، فإنها لا تقتضي زمانا ، وإنما هي لمجرد الشرط فتقيد ، بالفور بقضية التمليك . وقال الحسن ، وعطاء : إذا قال : أنت طالق إن شئت . إنما ذلك لها ما داما في مجلسهما .

                                                                                                                                            ولنا ، أنه تعليق للطلاق على شرط ، فكان على التراخي ، كسائر التعليق ، ولأنه إزالة ملك معلق على المشيئة ، [ ص: 356 ] فكان على التراخي كالعتق ، وفارق : اختاري . فإنه ليس بشرط ، إنما هو تخيير ، فتقيد بالمجلس ، كخيار المجلس . وإن مات من له المشيئة ، أو جن ، لم يقع الطلاق ; لأن شرط الطلاق لم يوجد . وحكي عن أبي بكر ، أنه يقع . وليس بصحيح ; لأن الطلاق المعلق على شرط لا يقع إذا تعذر شرطه ، كما لو قال : أنت طالق إن دخلت الدار ، وإن شاء . وهو مجنون ، لم يقع طلاقه ; لأنه لا حكم لكلامه . وإن شاء ، وهو سكران . فالصحيح أنه لا يقع ; لأنه زائل العقل ، فهو كالمجنون .

                                                                                                                                            وقال أصحابنا : يخرج على الروايتين في طلاقه ، والفرق بينهما أن إيقاع طلاقه تغليظ عليه ، كي لا تكون المعصية سببا للتخفيف عنه ، وهاهنا إنما يقع الطلاق بغيره ، فلا يصح منه في حال زوال عقله ، وإن شاء ، وهو طفل ، لم يقع ; لأنه كالمجنون . وإن كان يعقل الطلاق ، وقع ; لأن له مشيئة ، ولذلك صح اختياره لأحد أبويه . وإن كان أخرس ، فشاء بالإشارة ، وقع الطلاق ; لأن إشارته تقوم مقام نطق الناطق ، ولذلك وقع طلاقه بها ، وإن كان ناطقا حال التعليق ، فخرس ، ففيه وجهان ; أحدهما ، يقع الطلاق بها ; لأن طلاقه في نفسه يقع بها ، فكذلك طلاق من علقه بمشيئة . والثاني ، لا يقع بها ; لأنه حال التعليق ، كان لا يقع إلا بالنطق ، فلم يقع بغيره ، كما لو قال في التعليق : إن نطق فلان بمشيئته فهي طالق .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية