الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال ) : والاكتحال لا يضر الصائم ، وإن وجد طعمه في حلقه وكان إبراهيم النخعي يكره للصائم أن يكتحل وابن أبي ليلى كان يقول : إن وجد طعمه في حلقه فطره لوصول الكحل إلى باطنه .

( ولنا ) حديث أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم { دعا بمكحلة إثمد في رمضان فاكتحل ، وهو صائم } . وعن أبي مسعود قال { خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء من بيت أم سلمة وعيناه مملوءتان كحلا كحلته أم سلمة } وصوم يوم عاشوراء في ذلك الوقت كان فرضا ثم صار منسوخا ثم ما وجد من الطعم في حلقه أثر الكحل لا عينه كمن ذاق شيئا من الأدوية المرة يجد طعمه في حلقه فهو قياس الغبار والدخان ، وإن وصل عين الكحل إلى باطنه فذلك من قبل المسام لا من قبل المسالك إذ ليس من العين إلى الحلق مسلك فهو نظير الصائم يشرع في الماء فيجد برودة الماء في كبده ، وذلك لا يضره وعلى هذا إذا دهن الصائم شاربه فأما السعوط والوجور يفطره لوصوله إلى أحد الجوفين إما الدماغ ، أو الجوف والفطر مما يدخل ولا كفارة عليه ; لأن معنى الجناية لا يتم به فإن اقتضاء الشهوة لا يحصل به إلا في رواية هشام عن أبي يوسف رحمهما الله تعالى أن عليه الكفارة إذا لم يكن به عذر .

والحقنة تفطر الصائم لوصول المفطر إلى باطنه ، وهذا بخلاف الرضيع إذا احتقن بلبن امرأة لا يثبت به حرمة لرضاع إلا في رواية شاذة عن محمد رحمه الله تعالى ; لأن ثبوت حرمة الرضاع بما يحصل به إنبات اللحم وانشاز العظم ، وذلك بما يحصل إلى أعالي البدن لا إلى إلا سافل فأما الفطر يحصل بوصول المفطر إلى باطنه لانعدام الإمساك به والإقطار في الأذن كذلك يفسد ; لأنه يصل إلى الدماغ والدماغ أحد الجوفين فأما الإقطار في الإحليل لا يفطره عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ويفطره عند أبي يوسف وحكى ابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى [ ص: 68 ] أنه توقف فيه وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أنه إذا صب الدهن في إحليله فوصل إلى مثانته فسد صومه ، وهذا الاختلاف قريب فقد وقع عند أبي يوسف رحمه الله تعالى أن من المثانة إلى الجوف منفذ حتى لا تقدر المرأة على استمساك البول والأمر على ما قالا فإن أهل الطب يقولون : البول يخرج رشحا وما يخرج رشحا لا يعود رشحا وبعضهم يقول : هناك منفذ على صورة حرف الخاء فيخرج منه البول ولا يتصور أن يعود فيه شيء مما يصب في الإحليل فأما الجائفة والآمة إذا داواهما بدواء يابس لم يفطره ، وإن دواهما بدواء رطب فسد صومه في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ولم يفسد في قولهما والجائفة اسم لجراحة وصلت إلى الجوف والآمة اسم لجراحة وصلت إلى الدماغ فهما يعتبران أن الوصول إلى الباطن من مسلك هو خلقة في البدن ; لأن المفسد للصوم ما ينعدم به الإمساك المأمور به وإنما يؤمر بالإمساك لأجل الصوم من مسلك هو خلقة دون الجراحة العارضة وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول : المفسد للصوم وصول المفطر إلى باطنه فالعبرة للواصل لا للمسلك وقد تحقق الوصول هنا ، وفي ظاهر الرواية فرق بين الدواء الرطب واليابس وأكثر مشايخنا رضي الله عنهم أن العبرة بالوصول حتى إذا علم أن الدواء اليابس وصل إلى جوفه فسد صومه ، وإن علم أن الرطب لم يصل إلى جوفه لا يفسد صومه عنده إلا أنه ذكر اليابس والرطب بناء على العادة فاليابس إنما يستعمل في الجراحة لاستمساك رأسها به فلا يتعدى إلى الباطن ، والرطب يصل إلى الباطن عادة فلهذا فرق بينهما والدليل على أن العبرة لما قلنا أن اليابس يترطب برطوبة الجراحة

التالي السابق


الخدمات العلمية