الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو أن رجلا قال لأمة لا مال غيرها في صحته أنت حرة الساعة أو إذا مت سعت في ثلثي قيمتها لأنه أدخل حرف " أو " بين كلامين مختلفين الحرية والتدبير ، وقد فات البيان لموته فإنما يثبت من كل واحد منهما نصفه فقد عتق نصفها بالحرية الثابتة في صحته فلا يكون ذلك معتبرا من الثلث ، والنصف الباقي يعتق بالتدبير من الثلث فإنما يسلم لها ثلث ذلك النصف ، وعليها السعاية في ثلثي قيمتها .

ولو قال أنت حرة الساعة أو إذا مرضت فإنها تعتق إذا مرض ، ولا يعتق منها في الصحة شيء فإذا مات من مرضه سعت في ثلثي قيمتها لأصل قد بيناه في الزيادات أنه من ذكر وقتين ، وأضاف الحرية إلى أحدهما بحرف " أو " فإنما يقع في آخر الوقتين ، ومتى عتق بأحد فعلين فإنما يقع عند وجود أولهما فإذا جمع بين وقت وفعل لا يقع الطلاق والعتاق ما لم يوجد الفعل لأنه إن وجد الفعل أولا جعل في حق الموجود كأن الآخر مثله ، وإن وجد الوقت أولا يجعل في حق الموجود كأن الآخر مثله ، فهنا إما أن يقول هو منصف العتق إلى آخر الوقتين فإن زمان المرض وقت كزمان الصحة فلا يقع إلا في زمان المرض أو جمع بين وقت وفعل بقوله : وإذا مرضت ، فإنما يقع عند وجود المرض ، وعتق المرض يكون معتبرا من الثلث بخلاف قوله إذا مت فإن ذلك تدبير لا تعليق بمنزلة قوله في الصحة أنت حرة أو مدبرة والتدبير واقع في الحال بعتق البيان ، ولهذا يمنع به البيع قال رحمه الله طعن أبو حازم في هذه المسألة ، وقال في المسألة الأولى أيضا ينبغي أن لا يعتق منها في الصحة لأن قوله : وإذا مت تعليق بالشرط في الظاهر والحقيقة جميعا ، ولا [ ص: 179 ] يترك شيء من العتق إلا بعد الموت بخلاف قوله أنت حرة أو مدبرة فإن ذلك ليس بتعليق واللفظ معتبر في التعليق .

( ألا ترى ) أنه لو قال : أنت مدبرة إن دخلت الدار كان ذلك باطلا ، وما كان إلا باعتبار لفظة التعليق في أحد الفصلين دون الآخر .

ولو قال إن شئت فأنت طالق غدا تعتبر المشيئة في الحال ، وما كان إلا باعتبار لفظه فكذلك هاهنا ، ولكنا نقول : ما ذكره محمد رحمه الله أصح لأن قوله : وإذا مت وإن كان تعليقا في الصورة فقد غلب عليه معنى التدبير .

( ألا ترى ) أنه يمنع له البيع في الحال ، وبعدما غلب على صورة اللفظ معنى يسقط اعتبار تلك الصورة كما لو قال لامرأته أنت طالق إن شئت فإنه يكون هذا تفويضا حتى يقتصر على المجلس ، ولا يكون يمينا ، وإن وجدت صورة الشرط لأنه غلب عليه معنى آخر فهذا كذلك بخلاف قوله إن مت فأنت حرة إن دخلت الدار لأن هناك علق بالموت عتقا معلقا بالدخول ، وذلك باطل حتى لو قال هاهنا أنت حرة الساعة ، وإذا مت في سفري هذا فإنه لا يعتق شيء من هذا إلا بعد موته لأنه لم يغلب على صورة الشرط معنى التدبير فإنه لا يمتنع البيع بذلك الكلام فيبقى التعليق معتبرا .

التالي السابق


الخدمات العلمية