الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وكمبطل صومه )

                                                                                                                            ش : قال الشيخ بهرام في الكبير : قوله كمبطل صومه كالحيض والوطء ليلا أو نهارا عامدا أو ناسيا أو مغلوبا وكالأكل والشرب نهارا متعمدا قال في المدونة : فإن أفطر يوما ناسيا فليقضه واصلا باعتكافه فإن أفطر يوما عامدا أو جامع في ليل أو نهار عامدا أو ناسيا أو قبل أو باشر أو لامس فسد اعتكافه وابتدأه فأوجب الاستئناف لجميعه مع العمد ; لأن الاعتكاف لما كانت سنته التتابع نزل منزلة العبادة الواحدة التي إذا فسد جزؤها فسدت كلها بخلاف نسيان الأكل فإنه وجب معه القضاء متصلا بآخره ; لأنه يشبه المرض والحيض الذي ليس للمكلف فيه خيرة ، انتهى .

                                                                                                                            وقال في الوسط : يريد كالحيض والوطء عامدا أو ناسيا أو مغلوبا وكالأكل والشرب نهارا متعمدا وقاله كله في المدونة ، انتهى . وقال في الصغير : أي فيبطل الاعتكاف لبطلان شرطه ، انتهى . وقال البساطي : وكمبطل صومه إذ الصوم شرط ومبطل الشرط مبطل للمشروط ، انتهى . ونحوه [ ص: 457 ] للأقفهسي .

                                                                                                                            وأما ابن الفرات فنقل بعض كلام المدونة ولم يعرج على حل كلام المصنف ولم ينبه ابن غازي على هذا الموضع وهو مشكل فإنه يقتضي أنه إذا بطل الصوم بأي مبطل بطل الاعتكاف وكلام الشيخ بهرام في الشرح الصغير والبساطي والأقفهسي صريح في ذلك وأما كلامه في الشرح الكبير والأوسط فكالمتدافع وكأنه والله أعلم سقط من كلام المصنف شيء وأصله وكمبطل صومه عمدا بغير الجماع ومقدماته قال ابن الحاجب : والجماع ومقدماته من القبلة والمباشرة وما في معناها مفسدة ليلا ونهارا ولو كانت حائضا قال في التوضيح : قوله مفسدة أي عمدا لا سهوا أو غلبة ثم قال ابن الحاجب : ويجب الاستئناف بجميعه بالمفسد عمدا ويجب القضاء بغيره .

                                                                                                                            والبناء قال في التوضيح : يعني أن مفسد الاعتكاف إذا فعل على سبيل العمد مبطل لجميع الاعتكاف ; لأنه لما كانت سنته التتابع تنزل بذلك منزلة العبادة الواحدة فلذلك كله يفسد صومه بفساد جزئه . وقوله وبغيره أي وإن لم يكن عمدا بأن كان سهوا أو غلبة فإنه يجب القضاء متصلا بآخره وظاهر كلامه أن القبلة والمباشرة بل والوطء سهوا مما يقضي فيه ويبني وليس كذلك ففي المدونة : إن جامع في ليله أو نهاره أو قبل أو باشر أو لامس فسد اعتكافه وابتدأه ثم قال في التوضيح : وإن أفطر ناسيا في التطوع فقال عبد الملك : عليه القضاء وهو ظاهر المدونة لقوله من أكل يوما من اعتكافه ناسيا يقضي يوما مكانه فعمم وكذا قال بعضهم : إن مذهب المدونة القضاء مطلقا وحمل بعضهم المدونة على النذر المعين وأما التطوع فلا يقضي فيه بالنسيان وهو قول عبد الملك وابن حبيب عياض وهو أصح .

                                                                                                                            وانظر على الأول ما الفرق بين الصوم والاعتكاف ، انتهى . وفرق القاضي عبد الوهاب بين الصوم والاعتكاف في المسألة الآتية وهي أن من نذر اعتكاف أيام بعينها فمرض فيها أو حاضت المرأة فإنها تقضي الاعتكاف ولا تقضي الصوم قال : لأن الاعتكاف أشبه الحج والعمرة من حيث تعلقه بالمسجد وتحريم المباشرة وقال ابن عرفة : ويجب اتصال أيامه وابتداء كله بإفساد بعضه عمدا مطلقا ونسيانا بغير فطر الغذاء وبه يقضي بانيا إن كان من رمضان الباجي أو واجب غيره وإن كان في نفل ففي عدم قضائه نقل الباجي عن ابن الماجشون مع ابن رشد عن سحنون ورواية ابن زرقون مع ظاهرها عنده وابن رشد عن ابن القاسم قائلا بشرط اتصاله الصقلي قول ابن حبيب لا قضاء خلاف قول مالك ويحتمل الوفاق وقول ابن الحاجب سهو غير الأكل كالأكل وهم وما مرض فيه من نذر مبهم أو رمضان قضاه ومن غيره في قضائه ثالثها إن مرض بعد دخوله ، انتهى .

                                                                                                                            والفرق بين الوطء والأكل أن الأكل ليس من محظورات الاعتكاف ولهذا يأكل المعتكف في غير زمن الصوم بخلاف الوطء فإنه من محظوراته قال في المدونة : وإن جامع في ليل أو نهار ناسيا أو قبل أو باشر أو لامس فسد اعتكافه وابتدأه ، انتهى . والله أعلم .

                                                                                                                            ص ( وفي إلحاق الكبائر به تأويلان )

                                                                                                                            ش : فهم منه أن الصغائر لا تبطل الاعتكاف وهو كذلك قال في التوضيح : يقيد بما إذا لم تكن الصغيرة مبطلة للصوم كالنظر للأجنبية إذا والاه حتى أمذى فينبغي أن يبطل اعتكافه ، انتهى . وهذا ظاهر بل داخل في مبطل الصوم

                                                                                                                            ص ( وقبلة بشهوة )

                                                                                                                            ش : قال الشارح قال في المدونة : وإن جامع في ليل أو نهار ناسيا أو قبل أو باشر أو لامس فسد اعتكافه ، وابتدأه قال أبو الحسن يريد إن قصد اللذة أو وجدها ، انتهى .

                                                                                                                            ولهذا قيد المصنف القبلة بقوله بشهوة قال ابن عرفة قال عياض [ ص: 458 ] تقبيله مكرها لغو إن لم يلتذ ، انتهى . وقال أبو عمر إن وطء المكرهة كالمختارة الصقلي والنائمة كاليقظانة والاحتلام لغو ، انتهى . وقال ابن ناجي ظاهر الكتاب أنه لا يشترط في القبلة والمباشرة وجود اللذة وهو قول مطرف حكاه ابن رشد وشرط اللخمي وجود اللذة وعليه تأول المغربي قولهما فقال : يريد إذا وجد اللذة أو قصدها ، انتهى .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية