الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( فرع ) قال في المتيطية ، وإذا عين الميت للحج عبدا أو صبيا أنفذ ذلك عنه حسبما أوصى به إن أذن للعبد سيده وللصبي أبوه أو وليه ، فإن لم يأذن لهما رجعت وصية العبد ميراثا واستؤني بالصبي ملك نفسه ، فإن حج ، وإلا رجعت ميراثا هذا قول ابن القاسم ; لأنه لما عين من لا حج له فكأنه قصد التطوع قال ابن القاسم : وكذلك لو كان المتوفى قد حج حجة الإسلام ثم أوصى أن يحج عنه لفلان حر بالغ ، فإنه إن أبى يرجع ميراثا انتهى .

                                                                                                                            وفي النوادر خلاف هذا ونصه ابن القاسم : وإن أوصى ، وهو صرورة أن يحج عنه عبد أو صبي دفع ذلك لغيرهما مكانهما ، ولا ينتظر عتق العبد وكبر الصبي قال أشهب وأما في التطوع يوصي أن يحج عنه عبد أو مكاتب أو صبي فلينفذ ذلك له إن لم يكن على الصبي مضرة ، فإن لم يأذن وصيه أو سيد العبد تربص ذلك حتى يؤيس من عتق العبد وبلوغ الصبي ، فإن عتق العبد وبلغ الصبي فأبيا رجع [ ص: 6 ] ميراثا انتهى .

                                                                                                                            وما ذكره المتيطي هو في المدونة في الوصايا إلا ما ذكره من أن العبد لا يستأنى عتقه ، فإنه لم يذكره في المدونة ، ولم يذكر حكم ما إذا لم يأذن له سيده لكن نقل أبو الحسن الصغير عن ابن يونس عن غير واحد من فقهائه المتأخرين أنه إذا لم يأذن السيد لا يستأنى عتق العبد كما يستأنى بلوغ الصبي بخلاف العبد يوصي أن يشترى فيعتق هنا ينتظر لحرمة العتق ثم قال ابن يونس : وقال أشهب ، وذكر عنه ما تقدم من استيناء العبد حتى يؤيس من عتقه ابن يونس ، وهذا صواب ; لأنه كما ينتظر لحرمة العتق كذلك حرمة الحج انتهى .

                                                                                                                            والظاهر ما قاله غير واحد من الفقهاء ; لأن لبلوغ الصبي حدا ، ولا حد لعتق العبد إلا أن يقال : ربما بلغ الصبي أيضا سفيها ، وقول أشهب : حتى يؤيس من عتق العبد وبلوغ الصبي ، أما عتق العبد فواضح ، وأما بلوغ الصبي فكيف يؤيس منه ، والله أعلم .

                                                                                                                            ( فرع ) قال في النوادر : ومن أوصى أن يحج عنه فأنفذ ذلك ثم استحقت رقبته ، فإن كان معروفا بالحرية فلا ضمان على الوصي ، ولا على الأجير وما لم يفت من ذلك رد انتهى .

                                                                                                                            ص ( ولم يضمن وصي دفع لهما مجتهدا )

                                                                                                                            ش : مفهومه : أنه لو دفع إليهما غير مجتهد ضمن ، وهو كذلك كما تقدم عن المدونة ، والله أعلم .

                                                                                                                            ص ( ولزمه الحج بنفسه )

                                                                                                                            ش : هذا هو المشهور ، وقيل : لا يلزم قال ابن عبد السلام أما إن ظهرت قرينة في التعيين أو عدمه فالظاهر أنه يصار إليها ، وإن لم يكن فهذا محل الخلاف وقياس الإجارة في غير هذا الباب يقتضي عدم التعيين انتهى .

                                                                                                                            وفي الجلاب : ومن استؤجر على أن يحج عن غيره فلا يجوز له أن يستأجر غيره إلا أن يأذن من يستأجر انتهى .

                                                                                                                            وقال ابن عسكر في شرح العمدة : إن شرط عليه الفعل بنفسه في العقد ، فإنه يلزمه ، وإن لم يشترط ، وكان مرغوبا فيه لعلمه وصلاحه تعين ، وإلا لم يتعين انتهى .

                                                                                                                            وقال ابن الحاجب : وفي تعليق الفعل بذمة الأجير قولان انتهى ، والله أعلم .

                                                                                                                            ص ( لا الإشهاد إلا أن يعرف )

                                                                                                                            ش : قال سند إن كان بينهم شرط أو عرف عمل به ، وإن انتفيا ، فإن قبض الأجرة فهو أمين على ما يفعل ، ولا تسترد منه الإجارة حتى يثبت خيانته ، وإن لم يقبض الأجرة فلا شيء له يثبت أنه وفى ، ولا يصدق إن اتهم إلا ببينة ، والله أعلم .

                                                                                                                            ص ( وقام وارثه مقامه فيمن يأخذه في حجة ) ش يعني أن وارث الأجير يقوم مقامه إذا مات أو كانت الإجارة مضمونة في ذمة الأجير كما قال في قول المستأجر : من يأخذ كذا في حجة قال في الطراز في أول باب النيابة : لما تكلم على موت الأجير فلو كان الحج مضمونا ، ولم يشترط حجه بنفسه وإنما أخذ المال على حجة مضمونة عليه مثل أن يقول : من يأخذ كذا في حجة ؟ أو من يضمن لي حجة بكذا ؟ ولم يعين لفعلها أحدا فهذا إن مات ، ولم يحرم قام وارثه مقامه في استحقاقه الأجرة وتوفية الضمان كما في الكراء المضمون قال ابن القاسم في الموازية [ ص: 7 ] ومن دفع إلى رجل عينا أو عرضا أو جارية على أن يكون عليه حجة عن فلان فمات الذي عليه الحج فذلك في ماله حجة لازمة تبلغ ما بلغت لا يلزمه غير ذلك بمنزلة سلعة من السلع ، وقاله أصبغ إلا أن الوارث لا يلزمه ذلك ويكون في ماله كما في الكراء ، فإن مات بعد ما أحرم فللوارث أن يحرم بذلك إن لم تفت السنة المعينة ، وإن فات في غير المعينة إلا أنه يحرم من الموضع المشترط للإحرام منه أو من الميقات المستأجر ، ولا يجترئ بما فعل الميت ، ولا يبني عليه ثم قال : فإن كانت من الإجارة المضمونة المعينة الوقت ، والوقت باق فللوارث أن يحج أو يستأجر من يحج ويستحق الأجرة ، وإن فات وقت الوقوف فسخ العقد ورد باقي الأجرة ، وإن كانت غير معينة ، فإذا أراد الوارث من قابل ورضي المستأجر جاز ، وإن أراد المستأجر الفسخ فالقياس أن لا يفسخ ; لأنه إنما له حج ، ولم يستحق سنة بعينها ، وقال بعض الشافعية : له أن يفسخ لتأخير الحج عنه انتهى .

                                                                                                                            فالذي قال إنه القياس هو الذي جزم به أولا أعني قوله : إن لم تفت السنة في السنة المعينة ، وإن فاتت في غير المعينة ، وإنما كرره لينبه على أن الخلاف الذي لبعض الشافعية ، ونقل القرافي كلام صاحب الطراز مختصرا ، ونقله ابن غازي عنه فلذا ذكرت كلام الطراز من أصله ، والله أعلم .

                                                                                                                            ص ( ولا يسقط فرض من حج عنه ، وله أجر النفقة والدعاء )

                                                                                                                            ش قال ابن فرحون في شرح قول ابن الحاجب ، وقال يتطوع عنه بغير هذا يهدي عنه أو يتصدق أو يعتق قال : لأن ثواب هذه الأشياء يصل إلى الميت ، وثواب الحج هو للحاج ، وإنما للمحجوج عنه بركة الدعاء ، وثواب المساعدة على المباشرة بما يصرف من مال المحجوج عنه انتهى .

                                                                                                                            وله نحو ذلك في مناسكه ، وقال فيها أيضا بعده : وتنفذ الوصية بالحج على المشهور ، والشاذ لا تنفذ ، وعلى المشهور فهل يكون الحج على وجه النيابة عن الميت ؟ وعليه نزلت رواية ابن القاسم في المدونة ; لأنه قال لا يحج عنه صرورة ، ولا من فيه عقد حرية ، فاعتبار المباشرة للحج يدل أنه على وجه النيابة ، وقيل : لا تصح النيابة في ذلك ، وإنما للمحجوج عنه أجر النفقة ، وإن تطوع عنه أحد فله أجر الدعاء انتهى .

                                                                                                                            ويشهد لما قاله من أن ثواب الحج للحاج ما قاله سند في شرح أول مسألة من باب النيابة قال أبو حنيفة يلزم المعضوب الغني أن يستأجر من يحج عنه ، ويلزم الأجير أن ينوي حجة الإسلام عن المعضوب ثم يقع الحج للأجير تطوعا دون المعضوب ، وإنما له ثواب النفقة في إنفاق الأجير وتسهيل الطريق ، وهذا قريب من قول مالك انتهى .

                                                                                                                            وإنما قال قريب ; لأن مالكا لا يقول : يجب عليه الاستئجار ، والله أعلم .

                                                                                                                            ، ونقله عنه التادلي في أول باب النيابة ، ونقله ابن فرحون في مناسكه ، وقال سند بعد كلامه السابق بنحو الورقة : والحج في الحقيقة منفعة لفاعله ; لأنه سعيه ، وقال الله تعالى { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى } فهو يرى سعيه ويجازيه أوفى جزاء ، وإنما للمستنيب بقصد استنابته وإعانته وسعيه في ذلك انتهى .

                                                                                                                            ، والله أعلم .

                                                                                                                            والمعضوب قال ابن جماعة في مناسكه بعين مهملة وضاد معجمة من العضب ، وهو القطع كأنه قطع عن كمال الحركة والتصرف ، ويقال بالصاد المهملة كأنه ضرب على عصبه فانقطعت أعضاؤه انتهى .

                                                                                                                            ( فرع ) قال في المدونة : ومن حج عن ميت فالنية تجزئه ، وإن لم يقل لبيك عن فلان انتهى .

                                                                                                                            قال سند مقصوده أن الحج ينعقد عن الغير بمجرد النية كما ينعقد عن المحرم بمجرد النية ، والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية