الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( والمذهب أنه لا ينعزل قبل بلوغه خبر عزله ) لعظم الضرر في نقض أقضيته لو انعزل . ومر الفرق بينه وبين الوكيل في بابه . ومن علم عزله لم ينفذ حكمه له إلا إن يرضى بحكمه فيما يجوز التحكيم فيه لعلمه أنه غير حاكم باطنا ذكره الماوردي . وإنما يتجه إن صح ما قاله أنه غير حاكم باطنا ، أما على ما اقتضاه كلامهم أنه قبل أن يبلغه خبر عزله باق على ولايته ظاهرا وباطنا فلا يصح ما قاله ؛ ألا ترى أنه لو تصرف بعد العزل وقبل بلوغ الخبر بتزويج من لا ولي لها مثلا لم يلزم الزوج باطنا ولا ظاهرا انعزالها ، فإن قلت : الماوردي يخص عدم نفوذه باطنا بحالة علم الخصم لا مطلقا قلت : هو حينئذ بالتحكم أشبه فلا يقبل ؛ لما تقرر أن من بلغه ذلك معتقده أن ولايته باقية قبل بلوغه هو خبر العزل . وبحث الأذرعي الاكتفاء في العزل بخبر واحد مقبول الرواية ، والقياس ما قاله الزركشي أنه لا بد من عدلي الشهادة ، أو الاستفاضة كالتولية . لا يقال يتعين على من علم عزله ، أو ظنه أن يعمل باطنا بمقتضى علمه أو ظنه كما هو قياس نظائره ؛ لأنا نقول : إنما يتجه ذلك إن قلنا بعزله باطنا قبل أن يبلغه خبره ، وقد تقرر أن الوجه خلافه .

                                                                                                                              ولا يكفي كتاب مجرد ، وإن حفته قرائن يبعد التزوير بمثلها كما يصرح به كلامهم ، ولا قول إنسان : وليت ، نعم الوجه أنه إن صدقه المدعي و المدعى عليه نفذ حكمه لهما وعليهما كالمحكم بل أولى ، بخلاف ما إذا صدقه أحدهما ، أو صدقه أهل الحل ، والعقد ؛ لأن تصديقهم لا يثبت تولية عامة بخلاف توليتهم فيما قدمته قبيل قوله : وشرط القاضي ؛ لأن ذاك جوزت للضرورة فتقدرت بقدرها ولزم عمومها ، ولا كذلك مجرد تصديقهم له . وعلى هذا التفصيل يحمل اختلافهم في أن التصديق هل يفيد أولا بحث البلقيني أنه إذا انعزل لم تنعزل [ ص: 123 ] نوابه حتى يبلغهم خبر عزله كما ذكروا أنه يستحق معلومه ؛ لأن بقاء نوابه كبقائه ، وأن نائبه إذا بلغه خبر عزل أصله لم ينعزل لبقاء ولاية أصله ونظر فيه غير واحد ، والنظر في الثانية واضح ؛ لأن القياس يقتضي انعزالهم وإنما اغتفر للضرورة فليتقدر بقدرها في عدم انعزالهم بالنسبة للأحكام لا بالنسبة لبقاء ولايته ببقاء ولايتهم ، وفي الثالثة إنما يتجه على ما قدمناه لا على ما مر عن الماوردي . ويظهر أن العبرة في بلوغ خبر العزل للنائب بمذهبه لا بمذهب منوبه .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : فلا يصح ما قاله ألا ترى أنه لو تصرف بعد العزل ) كتب على فلا يصح م ر . ( قوله : والقياس ما قاله الزركشي إنه لا بد من عدلي الشهادة ) كتب عليه [ ص: 123 ] م ر وقوله : وبحث البلقيني أنه إذا انعزل لم ينعزل نوابه حتى يبلغهم إلخ كتب عليه م ر وقوله : لأن القياس يقتضي انعزالهم كتب عليه م ر وقوله : ويظهر أن العبرة في بلوغ خبر العزل للنائب بمذهبه لا بمذهب منوبه كتب عليه م ر .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : لعظم الضرر ) إلى قوله : وإنما يتجه في المغني وإلى قوله : ألا ترى في النهاية . ( قوله : ومن علم إلخ ) أي : والخصم الذي علم إلخ ( قوله : لعلمه ) علة لما قبل الاستثناء . ( قوله : ذكره الماوردي ) ضعيف . ا هـ . ع ش ( قوله : وإنما يتجه إلخ ) عبارة النهاية ، والأوجه خلافه ؛ إذ علم الخصم بعزل القاضي لا يخرجه عن كونه قاضيا . ا هـ . ( قوله : هو ) أي : ما ذكره الماوردي حينئذ أي : حين التخصيص بالتحكم أشبه يمكن منعه وقوله : فلا يقبل أي قول الماوردي . ( قوله : أن من بلغه إلخ ) أي : من الخصوم ( قوله : معتقده ) بفتح القاف مبتدأ وقوله : إن ولايته باقية خبره ، والجملة خبر أن . ( قوله : وبحث الأذرعي الاكتفاء بخبر واحد إلخ ) هذا هو الظاهر ، ويفرق بين التولية ، والعزل بأن التولية فيها إقدام على الأحكام فيحتاط لها ، والعزل فيه توقف عنها وهو أحوط . ا هـ . مغني . ( قوله : ما قاله الزركشي أنه لا بد إلخ ) جزم به النهاية . ( قوله : لا يقال ) إلى قوله : ولا يكفي كالمكرر مع قوله ، فإن قلت إلى قوله : وبحث إلخ فإنه يغني عن هذا وعلى فرض عدم الإغناء فكان حقه أن يقدم على قوله : وبحث الأذرعي إلخ . ( قوله : ولا يكفي كتاب مجرد إلخ ) في الأصح فيهما . ا هـ . مغني أي العزل ، والتولية . ( قوله : وليت ) ببناء المفعول [ ص: 123 ] قوله : كما ذكر ) أي : بعدلي الشهادة ، أو الاستفاضة . ( قوله : ونظر فيه إلخ ) عبارة النهاية ولو بلغ الخبر المستنيب دون النائب ، أو بالعكس انعزل من بلغه ذلك دون غيره خلافا للبلقيني . ا هـ . وعبارة المغني بعد سوق كلام البلقيني المذكور نصها : وما قاله ظاهر في الأول ممنوع في العكس أي : فيما لو بلغ النائب قبل أصله ؛ لأن النائب داخل في عموم كلام الأصحاب حتى يبلغه الخبر ، والنائب قاض فينعزل ببلوغ الخبر كما جرى عليه شيخنا في بعض كتبه ولو ولى السلطان قاضيا ببلد فحكم ذلك القاضي ولم يعلم أن السلطان ولاه قال الزركشي : فيحتمل أن ينفذ حكمه كما لو وكل وكيلا ببيع شيء فتصرف الوكيل وباعه ، ثم علم بالوكالة . ا هـ . و الظاهر عدم نفوذ حكمه لاشتراط القبول من القاضي وأخذ مما بحثه في قاض أقدم على تزويج امرأة يعتقد أنها في غير ولايته ، ثم ظهر أنها بمحل ولايته من أنه لا يصح قال : لأنه بالإقدام يفسق ويخرج عن الولاية . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : في الثانية ) أي : مسألة استمرار ما رتب للقاضي ما لم يبلغ خبر عزله لنوابه . ( قوله : وإنما اغتفر ) أي : عدم انعزالهم . ( قوله : لبقاء ولايته ) الأنسب لبقاء استحقاقه المعلوم . ( قوله : إنما يتجه على ما قدمناه لا على ما مر إلخ ) فيه نظر بل الظاهر العكس كما يفيده قول ع ش على ما مر آنفا عن النهاية ما نصه قوله انعزل من بلغه ذلك إلخ هذا ظاهر إن قلنا بكلام الماوردي فيما لو بلغ الخصم عزل القاضي ولم يبلغ القاضي ، أما على ما استوجهه من نفوذ الحكم على الخصم وله لعدم انعزال القاضي ففيه نظر . ا هـ . ( قوله : ويظهر ) إلى التنبيه في النهاية إلا قوله : أي : القاضي إلى المتن .




                                                                                                                              الخدمات العلمية