الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( وما لا روح له كقناة ودار لا تجب عمارتها ) على مالكها الرشيد ؛ لأنها تنمية للمال وهي لا تجب نعم يكره تركها إلى أن تخرب لغير عذر كترك سقي زرع ، وشجر دون ترك زراعة الأرض وغرسها ، ولا ينافي ما هنا من عدم تحريم إضاعة المال تصريحهم في مواضع بحرمته ؛ لأن محل الحرمة حيث كان سببها فعلا كإلقاء مال ببحر ، والكراهة حيث كان سببها تركا كهذه الصور [ ص: 374 ] لمشقة العمل ، أما غير رشيد فيلزم وليه عمارة داره وأرضه ، وحفظ ثمره وزرعه ، وكذا وكيل وناظر وقف ، وأما ذو الروح المحترمة فيلزم مالكه رعاية مصالحه ، ومنها إبقاء عسل للنحل في الكوارة إن تعين لغذائها ، وعلف دود القز من ورق التوت ، ويباع فيه ماله كالبهيمة فإذا استكمل جاز تجفيفه بالشمس ، وإن أهلكه لحصول فائدته كذبح المأكول ، ولا تكره عمارة لحاجة وإن طالت ، والأخبار الدالة على منع ما زاد على سبعة أذرع ، وأن فيه الوعيد الشديد محمولة على من فعل ذلك للخيلاء والتفاخر على الناس .

                                                                                                                              وتكره الزيادة عليها أي : لغير حاجة وصح أن الرجل ليؤجر في نفقته كلها إلا في هذا التراب أي : ما لم يقصد بالإنفاق في البناء به مقصدا صالحا كما هو معلوم والله أعلم .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : كترك سقي زرع إلخ ) أي : فإنه يكره ، وقوله : دون ترك زراعة الأرض إلخ أي : فلا يكره ( قوله : والكراهة حيث كان سببها تركا إلخ ) وعلم من تعليل الإسنوي عدم تحريم إضاعة المال إن كان سببها ترك أعمال لأنها قد تشق أن الاعتراض عليه بأن مجرد ترك الأعمال لا يكفي بل لا بد من تقييدها بالشاقة ليحترز من نحو ربط الدراهم في الكم ، ووضع المال في الحرز ساقط قال ابن العماد في مسألة ترك سقي الأشجار : صورتها أن يكون لها ثمرة تفي بمؤنة سقيها ، وإلا فلا كراهة قطعا قال : ولو أراد بترك سقي الأشجار تجفيف الأشجار لأجل قطعها للبناء ، والوقود فلا كراهة أيضا . ا هـ . وهذا في مطلق التصرف .

                                                                                                                              أما المحجور عليه فعلى وليه عمارة عقاره ، وحفظ شجره وزرعه بالسقي وغيره وفي المطلق أما الوقف فيجب على ناظره عمارته حفظا له على مستحقيه عند تمكنه منها أما من ريعه ، أو من جهة شرطها الواقف فيما إذا لم يتعلق به حق لغيره فأما لو آجر عقاره ، ثم اختل فعليه عمارته إن أراد بقاء الإجارة فإن لم يفعل تخير المستأجر قال الأذرعي : لو غاب الرشيد عن ماله غيبة طويلة ، ولا نائب له هل يلزم الحاكم أن ينصب من يعمر عقاره ويسقي زرعه وثمره من ماله ؟ الظاهر نعم ؛ لأن عليه حفظ مال الغائب كالمحجورين وكذلك لو مات مديون ، وترك زرعا وغيره ، وتعلقت به ديون مستغرقة ، وتعذر بيعه في الحال فالظاهر أن على الحاكم أن يسعى في حفظه بالسقي ، وغيره إلى أن يباع في ديونه حيث لا وارث خاص يقوم بذلك ، ولم يحضرني في هذا نقل خاص . ا هـ .

                                                                                                                              وهو ظاهر والزيادة في العمارة على الحاجة خلاف الأولى وربما قيل بكراهتها ، وفي صحيح ابن حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إن الرجل ليؤجر في نفقته كلها إلا في هذا التراب } ، وفي رواية أبي داود { كل ما أنفقه ابن آدم في التراب فهو عليه وبال يوم القيامة إلا ما لا بد منه } أي : ما لم يقصد بالإنفاق في البناء به مقصدا صالحا كما هو معلوم ، ولا تكره عمارة لحاجة ، وإن طالت والأخبار الدالة على منع ما زاد على سبعة أذرع وأن فيه الوعيد الشديد محمول على من فعل للخيلاء ، والتفاخر على الناس ، ويكره للإنسان أن يدعو على نفسه أو ولده ، أو ماله ، أو خدمه لخبر مسلم في آخر كتابه ، وأبي داود عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا تدعوا على أنفسكم لا تدعوا على أولادكم ، ولا تدعوا على خدمكم ، ولا تدعوا على أموالكم لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب له } ، وأما خبر { إن الله لا يقبل دعاء حبيب على حبيبه } فضعيف م ر ش .

                                                                                                                              ( قوله : والكراهة حيث كان سببها تركا ) قضيته أنه لو كان ماله موضوعا بقرب ماء خشي زيادته ، وإتلافه ذلك المال جاز تركه ، وإن تلف ، ويحتمل أن يمتنع تركه إذا سهل أخذه بغير مشقة لا تحتمل ، ولا ينافي ما تقرر ، ولو كان الموضوع بقرب الماء حيوانا محترما كرضيع وخشي هلاكه بزيادته فإنه يجب أخذه [ ص: 374 ] وحفظه عن التلف مطلقا ، وإن شق أخذه كما هو ظاهر لظهور الفرق بينه وبين المال . ( قوله : لمشقة العمل ) قد يفهم التحريم حيث لم يشق العمل بوجه كترك تناول دينار بقربه ، أو على طرف ثوبه مع نحو انحلاله عنه ، ولو لم يتناوله سقط وضاع ، أو ترك ضم نحو كمه ، أو يده عليه إن لم يفعل سقط وضاع وهو ظاهر فليتأمل . والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : على مالكها ) إلى الكتاب في النهاية والمغني إلا قوله : وكذا وكيل ( قوله : لأنها ) أي : العمارة ( قوله : وهي لا تجب ) أي : تنمية المال . ا هـ . سم ( قوله : كترك سقي زرع وشجر ) قال ابن العماد في مسألة ترك سقي الأشجار : صورتها أن يكون لها ثمرة تفي بمؤنة سقيها وإلا فلا كراهة قطعا قال : ولو أراد بترك السقي تجفيف الأشجار لأجل قطعها للبناء أو الوقود فلا كراهة أيضا انتهى . نهاية ومغني ( قوله : دون ترك زراعة الأرض إلخ ) أي : فلا يكره . ا هـ . سم ( قوله : بحرمته ) أي : الإضاعة ( قوله : حيث كان سببها فعلا إلخ ) هل من ذلك ما لو اغترف من البحر بإنائه ، ثم ألقى ما اغترفه في البحر فإنه ملكه ؟ تنازع فيه الفضلاء ويتجه وفاقا لشيخنا الطبلاوي عدم التحريم هنا ؛ لأن ما يغترف من نحو البحر من شأنه أن يكون حقيرا لا يحصل بإلقائه ضرر بوجه ، وينبغي أن يكون مثل ذلك إلقاء الحطب من المحتطب ، وكذلك الحشيش وأقول بل يتجه جواز إلقاء ما اغترفه من البحر على التراب سم على منهج . ا هـ . ع ش .

                                                                                                                              ( قوله : كإلقاء مال ببحر ) أي : بلا خوف . ا هـ . مغني عبارة ع ش أي : بلا غرض لما مر من أنه يجب على راكب السفينة إذا أشرفت على الغرق إلقاء ما لا روح فيه لا ما فيه روح إلخ . ا هـ . ( قوله : [ ص: 374 ] لمشقة العمل ) يفيد حرمة الترك إذا لم تكن فيه مشقة . ا هـ . ع ش عبارة سم قد يفهم التحريم حيث لم يشق العمل بوجه كترك تناول دينار بقربه ، أو على طرف ثوبه مع نحو انحلاله عنه ، ولو لم يتناوله سقط وضاع ، أو ترك ضم نحو كمه ، أو يده عليه وإن لم يفعل سقط وضاع وهو ظاهر جدا فليتأمل . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : أما غير رشيد إلخ ) عبارة النهاية وهذا في مطلق التصرف أما المحجور عليه فعلى وليه عمارة عقاره ، وحفظ شجره وزرعه بالسقي وغيره ، وفي المطلق ، أما الوقف فيجب على ناظره عمارته حفظا له على مستحقيه عند تمكنه منها لما من ريعه ، أو من جهة شرطها لواقف وفيما إذا لم يتعلق به حق لغيره فأما لو آجر عقاره ، ثم اختل فعليه عمارته إن أراد بقاء الإجارة فإن لم يفعل تخير المستأجر قال الأذرعي : لو غاب الرشيد عن ماله غيبة طويلة ، ولا نائب له هل يلزم الحاكم أن ينصب من يعمر عقاره ويسقي زرعه وثمره من ماله ؟ الظاهر نعم ؛ لأن عليه حفظ مال الغيب كالمحجورين ، وكذلك لو مات مديون وترك زرعا ، أو غيره ، وتعلقت به ديون مستغرقة وتعذر بيعه في الحال فالظاهر أن على الحاكم أن يسعى في حفظه بالسقي وغيره إلى أن يباع في ديونه حيث لا وارث له خاص يقوم بذلك ، ولم يحضرني في هذا نقل خاص انتهى . وهو ظاهر . ا هـ . وأقره سم وقال ع ش .

                                                                                                                              قوله : فالظاهر أن على الحاكم أن يسعى في حفظه إلخ ويجوز له أن يأخذ من مال الصبي قدر أجرة مثل عمله فيه وإن كان واجبا إذا لم يكن له في بيت المال في مقابلة عمله شيء لنحو ذلك ، وقد يشمله قولهم : للولي أن يأخذ من مال المولى عليه أجرة مثله إن لم يكن أبا ، ولا جدا ، ولهما أخذ الأقل من أجرة المثل وكفايتهما . ا هـ . وقال الرشيدي : انظر مفهوم قوله : مستغرقة ، وكذا مفهوم قوله : حيث لا وارث له خاص . ا هـ . ( قوله : ومنها ) أي : من المصالح ، أو من رعايتها إلخ ( قوله : إبقاء عسل للنحل إلخ ) عبارة المغني والنهاية فمن ذلك النحل فيجب أن يبقي له شيئا من العسل في الكوارة بقدر حاجته إن لم يكفه غيره وإلا فلا يجب عليه ذلك قال الرافعي : وقد قيل يشوي له دجاجة ويعلقها بباب الكوارة فيأكل منها . ا هـ . ( قوله : وعلف دود القز من ورق التوت ) أو تخليته لأكله إن وجد لئلا يهلك بغير فائدة مغني ونهاية وقد يفهم التعليل عدم وجوب ذلك فيما إذا أصابه داء يؤدي إلى هلاكه قبل تسوية نول بقول أهل الخبرة لكن قضية ما مر في شرح وعليه علف دوابه الوجوب فليراجع . ( قوله : ولا تكره عمارة لحاجة إلخ ) أي : بل قد تجب كما إذا ترتب على تركها مفسدة بنحو إطلاع الفسقة على حريمه مثلا . ا هـ . ع ش .

                                                                                                                              ( قوله : وأن فيه إلخ ) أي : وعلى أن إلخ ( قوله : وتكره إلخ ) عبارة النهاية والمغني والزيادة في العمارة على الحاجة خلاف الأولى وربما قيل : بكراهتها . ا هـ . ( قوله : وتكره الزيادة إلخ ) ويكره للإنسان أن يدعو على ولده ، أو نفسه ، أو ماله ، أو خدمه لخبر مسلم في آخر كتابه وأبي داود عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على خدمكم ولا تدعوا على أموالكم لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب له } وأما خبر { إن الله لا يقبل دعاء حبيب على حبيبه } فضعيف نهاية ومغني قال الرشيدي : والظاهر أن المراد بالدعاء الدعاء بنحو الموت وأن محل الكراهة عند الحاجة كالتأديب ونحوه ، وإلا فالذي يظهر أنه بلا حاجة لا يجوز على الولد والخادم فما في حاشية الشيخ ع ش من أن قضية سياق الحديث أن الظالم إذا دعا على المظلوم ، ووافق ساعة الإجابة استجيب له وإن كان الظالم آثما بالدعاء إلخ محل توقف . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : مقصدا صالحا ) ومنه أن ينتفع بغلته بصرفها في وجوه القرب ، أو على عياله . ا هـ . ع ش وظاهره ولو بعد موته والله أعلم .




                                                                                                                              الخدمات العلمية