الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولقد نصركم الله ببدر بيان لما يترتب على الصبر والتقوى إثر بيان ما ترتب على عدمهما ، أو مساقة لإيجاب التوكل على الله تعالى بتذكير ما يوجبه ، وبدر كما قال الشعبي بئر لرجل من جهينة يقال له بدر فسميت به ، وقال الواقدي : اسم للموضع ، وقيل : للوادي وكانت كما قال عكرمة : متجرا في الجاهلية .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال قتادة : إن بدرا ماء بين مكة والمدينة التقى عليه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم والمشركون ، وكان أول قتال قاتله النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، وكان ذلك في السابع عشر من شهر رمضان يوم الجمعة سنة اثنتين من الهجرة ، والباء بمعنى في ؛ أي نصركم الله في بدر ، وأنتم أذلة حال من مفعول ( نصركم ) و ( أذلة ) جمع قلة لذليل ، واختير على ذلائل ليدل على قلتهم مع ذلتهم ، والمراد بها عدم العدة لا الذل المعروف ، فلا يشكل [ ص: 44 ] دخول النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في هذا الخطاب إن قلنا به ، وقيل : لا مانع من أن يراد المعنى المعروف ، ويكون المراد وأنتم أذلة في أعين غيركم وإن كنتم أعزة في أنفسكم ، وقد تقدم الكلام على عددهم وعدد المشركين إذ ذاك فاتقوا الله باجتناب معاصيه والصبر على طاعته ، ولم يصرح بالأمر بالصبر اكتفاء بما سبق وما لحق مع الإشعار - على ما قيل - بشرف التقوى وأصالتها وكون الصبر من مباديها اللازمة لها ، وفي ترتيب الأمر بها على الإخبار بالنصر إعلام بأن نصرهم المذكور كان بسبب تقواهم ، فمعنى قوله تعالى : لعلكم تشكرون ( 321 ) لعلكم تقومون بشكر ما أنعم به عليكم من النصر القريب بسبب تقواكم إياه ، ويحتمل أن يكون كناية أو مجازا عن نيل نعمة أخرى توجب الشكر كأنه قيل : فاتقوا الله لعلكم تنالون نعمة من الله تعالى فتشكرونه عليها ، فوضع الشكر موضع الإنعام لأنه سبب له ومستعد إياه .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية