الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج البخاري ، وابن جرير ، وابن مردويه ، عن أنس قال : قال عمر بن الخطاب : يا رسول الله، يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل الله آية الحجاب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد ، وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والنسائي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي في "سننه" من طرق عن أنس قال : لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش دعا القوم، فطعموا، ثم جلسوا يتحدثون وإذا هو كأنه يتهيأ للقيام فلم يقوموا، فلما رأى ذلك قام، فلما قام قام من قام وقعد ثلاثة نفر، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليدخل فإذا القوم جلوس، ثم إنهم قاموا، فانطلقت فجئت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد انطلقوا، [ ص: 106 ] فجاء حتى دخل، فذهبت أدخل فألقى الحجاب بيني وبينه، فأنزل الله : يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الترمذي وحسنه، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن أنس قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فأتى باب امرأة عرس بها، فإذا عندها قوم، فانطلق فقضى حاجته فرجع وقد خرجوا، فدخل وقد أرخى بيني وبينه سترا، فذكرته لأبي طلحة فقال : لئن كان كما تقول لينزلن في هذا شيء، فنزلت آية الحجاب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن سعد ، وعبد بن حميد ، وابن مردويه ، والبيهقي في "شعب الإيمان" عن أنس قال : كنت أدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير إذن، فجئت يوما لأدخل فقال : على مكانك يا بني، إنه قد حدث بعدك أمر؛ لا تدخل علينا إلا بإذن .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه ، عن ابن عباس قال : دخل رجل على النبي صلى الله عليه وسلم فأطال الجلوس، فقام النبي صلى الله عليه وسلم مرارا كي يتبعه ويقوم فلم [ ص: 107 ] يفعل فدخل عمر فرأى الرجل وعرف الكراهية في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لمقعده فقال : لعلك آذيت النبي صلى الله عليه وسلم ففطن الرجل فقام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لقد قمت مرارا كي يتبعني فلم يفعل، فقال عمر : لو اتخذت حجابا فإن نساءك لسن كسائر النساء، وهو أطهر لقلوبهن، فأنزل الله : يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي الآية، فأرسل إلى عمر فأخبره بذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج النسائي ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه بسند صحيح عن عائشة قالت : كنت آكل مع النبي صلى الله عليه وسلم حيسا في قعب، فمر عمر فدعاه فأكل، فأصابت أصبعه أصبعي، فقال عمر : أوه، لو أطاع فيكن ما رأتكن عين، فنزلت آية الحجاب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن سعد عن ابن عباس قال : نزل حجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمر، أكل مع النبي صلى الله عليه وسلم طعاما، فأصاب يده بعض أيدي نساء النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر بالحجاب .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 108 ] وأخرج ابن سعد ، وابن جرير ، وابن مردويه عن أنس قال : ما بقي أحد أعلم بالحجاب مني، ولقد سألني أبي بن كعب عنه فقلت : نزلت في زينب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن قتادة في قوله : يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلى قوله : غير ناظرين إناه قال : غير متحينين طعامه، ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا قال : كان هذا في بيت أم سلمة ، أكلوا ثم أطالوا الحديث، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يخرج ويدخل، ويستحيي منهم والله لا يستحيي من الحق، وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب قال : بلغنا أنهن أمرن بالحجاب عند ذلك، لا جناح عليهن في آبائهن حتى قال : وما ملكت أيمانهن . قال : فرخص لهن ألا يحتجبن من هؤلاء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد عن الربيع بن أنس قال : كانوا يجيئون فيدخلون بيت النبي صلى الله عليه وسلم فيجلسون فيتحدثون ليدرك الطعام، فأنزل الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ليدرك الطعام، ولا مستأنسين لحديث قال : لا تجلسوا فتحدثوا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن [ ص: 109 ] قوله : غير ناظرين إناه قال : الإنى : النضيج، يعني : إذا أدرك الطعام، قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم، أما سمعت قول الشاعر وهو يقول :


                                                                                                                                                                                                                                      ينعم ذاك الإنى العبيط كما ينعم غرب المحالة الجمل



                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن مجاهد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطعم ومعه بعض أصحابه، فأصابت يد رجل منهم يد عائشة فكره ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت آية الحجاب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن عائشة ، أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يخرجن بالليل إذا تبرزن إلى المناصع، وهو صعيد أفيح، وكان عمر بن الخطاب يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم : احجب نساءك، فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، فخرجت سودة بنت زمعة ليلة من الليالي عشاء، وكانت امرأة طويلة، فناداها عمر بصوته الأعلى : قد عرفناك يا سودة، حرصا على أن ينزل الحجاب، فأنزل الله الحجاب، قال الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 110 ] وأخرج الفريابي ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : غير ناظرين إناه . قال : غير متحينين نضجه، ولا مستأنسين لحديث : بعد أن تأكلوا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله : إناه قال : نضجه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن سليمان بن أرقم في قوله : ولا مستأنسين لحديث . قال : نزلت في الثقلاء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الخطيب عن أنس قال : كانوا إذا طعموا جلسوا عند النبي صلى الله عليه وسلم رجاء أن يجيء شيء، فنزلت : فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : وإذا سألتموهن متاعا . قال : أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عليهن الحجاب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : وإذا سألتموهن متاعا قال : حاجة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال : فضل الناس عمر بن الخطاب بأربع : بذكره الأسارى يوم بدر؛ أمر بقتلهم فأنزل الله : لولا كتاب من الله سبق الآية [الأنفال : 68]، وبذكره الحجاب أمر نساء النبي صلى الله عليه وسلم أن يحتجبن، فقالت له زينب : وإنك لتغار علينا يا ابن الخطاب والوحي ينزل في بيوتنا . [ ص: 111 ] فأنزل الله : وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ، وبدعوة النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم أيد الإسلام بعمر، وبرأيه في أبي بكر كان أول الناس بايعه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال : أمر عمر نساء النبي صلى الله عليه وسلم بالحجاب، فقالت زينب : يا ابن الخطاب، إنك لتغار علينا والوحي ينزل في بيوتنا! فأنزل الله : وإذا سألتموهن الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن سعد عن محمد بن كعب قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نهض إلى بيته بادروه فأخذوا المجالس، فلا يعرف ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يبسط يده إلى الطعام استحياء منهم، فعوتبوا في ذلك فأنزل الله : يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن سعد عن أنس قال : نزل الحجاب مبتنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش وذلك سنة خمس من الهجرة، وحجب نساءه مني يومئذ وأنا ابن خمس عشرة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن سعد عن صالح بن كيسان قال : نزل حجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على نسائه في ذي القعدة سنة خمس من الهجرة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية