الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ولا يغتب بعضكم بعضا الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في "شعب الإيمان" عن ابن عباس في قوله : ولا يغتب بعضكم بعضا الآية . قال : حرم الله أن يغتاب المؤمن بشيء كما حرم الميتة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله : ولا يغتب بعضكم بعضا الآية . قال : زعموا أنها نزلت في سلمان الفارسي، أكل ثم رقد فنفخ، فذكر رجلان أكله ورقاده فنزلت .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي أن سلمان الفارسي كان مع رجلين في سفر يخدمهما وينال من طعامهما وأن سلمان نام يوما فطلبه صاحباه فلم يجداه فضربا الخباء وقالا : ما يريد سلمان شيئا غير هذا؛ أن يجيء إلى طعام معدود وخباء مضروب . فلما جاء سلمان أرسلاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب لهما إداما، فانطلق فأتاه فقال : يا رسول الله، بعثني أصحابي لتؤدمهم إن كان عندك . قال : ما يصنع أصحابك بالأدم، قد ائتدموا . فرجع سلمان فخبرهما، فانطلقا فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا : والذي بعثك بالحق ما أصبنا طعاما منذ نزلنا . قال : إنكما قد ائتدمتما بسلمان بقولكما . فنزلت : أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 576 ] وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في قوله : ولا يغتب بعضكم بعضا الآية . قال : نزلت هذه الآية في رجل كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم؛ أرسل بعض الصحابة إليه يطلب منه إداما فمنع، فقالوا له : إنه لبخيل وخيم . فنزلت في ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر عن الضحاك في قوله : ولا يغتب بعضكم بعضا قال : أن يقول للرجل من خلفه : هو كذا . يسيء الثناء عليه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، عن قتادة : ولا يغتب بعضكم بعضا قال : ذكر لنا أن الغيبة أن تذكر أخاك بما يشينه، وتعيبه بما فيه، فإن أنت كذبت عليه فذاك البهتان . يقول كما أنت كاره لو وجدت جيفة مدودة أن تأكل منها، فكذلك فاكره غيبته وهو حي .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وأبو داود والترمذي، وصححه، وابن جرير، وابن المنذر ، وابن مردويه، عن أبي هريرة قال : قيل : يا رسول الله، ما الغيبة؟ قال : ذكرك أخاك بما يكره . قيل : يا رسول الله، أرأيت إن كان [ ص: 577 ] في أخي ما أقول؟ قال : إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد والخرائطي في "مساوئ الأخلاق" عن المطلب بن حنطب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الغيبة أن تذكر المرء بما فيه . فقيل : إنما كنا نرى أن نذكره بما ليس فيه . ذلك البهتان .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة ، أن امرأة دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم ثم خرجت، فقالت عائشة : يا رسول الله، ما أجملها وأحسنها لولا أن بها قصرا . فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : اغتبتيها يا عائشة . فقالت : يا رسول الله، إنما قلت شيئا هو بها . قال : يا عائشة إذا قلت شيئا بها فهي غيبة، وإذا قلت ما ليس بها فقد بهتها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد عن عون بن عبد الله قال : إذا قلت للرجل بما فيه فقد اغتبته، وإذا قلت ما ليس فيه فقد بهته .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 578 ] وأخرج عبد بن حميد عن معاوية بن قرة قال : لو مر بك أقطع فقلت : هذا الأقطع . كانت غيبة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد عن محمد بن سيرين ، أنه ذكر عنده رجل فقال : ذاك الأسود . ثم قال : أستغفر الله، أراني قد اغتبته .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر ، عن مجاهد : أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا قالوا : نكره ذلك . قال : فاتقوا الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي الدنيا في "ذم الغيبة" والخرائطي في "مساوئ الأخلاق"، وابن مردويه، والبيهقي في "شعب الإيمان" عن عائشة قالت : لا يغتب بعضكم بعضا فإني كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فمرت امرأة طويلة الذيل، فقلت : يا رسول الله، إنها لطويلة الذيل . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : الفظي . فلفظت بضعة لحم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة ، رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أنه لحق قوما فقال لهم : تخللوا . فقالوا : يا نبي الله، والله ما طعمنا اليوم طعاما . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : والله إني لأرى لحم فلان بين ثناياكم . وكانوا اغتابوه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الضياء المقدسي في "المختارة" عن أنس قال : كانت العرب يخدم [ ص: 579 ] بعضها بعضا في الأسفار وكان مع أبي بكر وعمر رجل يخدمها، فناما فاستيقظا، ولم يهيئ لهما طعاما، فقالا : إن هذا لنؤوم . فأيقظاه فقالا : ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل له : إن أبا بكر وعمر يقرئانك السلام، ويستأدمانك . فقال : إنهما ائتدما . فجاءا فقالا : يا رسول الله، بأي شيء ائتدمنا؟ قال : بلحم أخيكما، والذي نفسي بيده، إني لأرى لحمه بين ثناياكما . فقالا : استغفر لنا يا رسول الله . قال : مراه فليستغفر لكما .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحكيم الترمذي، في "نوادر الأصول" عن يحيى بن أبي كثير، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان في سفر ومعه أبو بكر وعمر فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه لحما . فقال : أوليس قد ظللتم من اللحم شباعا؟ قالوا : من أين، فوالله ما لنا باللحم عهد منذ أيام؟ فقال : من لحم صاحبكم الذي ذكرتم . قالوا يا نبي الله : إنما قلنا إنه لضعيف، ما يعيننا على شيء . قال : وذلك، فلا تقولوا . فرجع إليهم الرجل، فأخبرهم بالذي قال، فجاء أبو بكر فقال : يا نبي الله طأ على صماخي واستغفر لي . ففعل، وجاء عمر فقال : يا نبي الله طأ على صماخي واستغفر لي . ففعل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو يعلى، وابن المنذر ، وابن مردويه، عن أبي هريرة قال : قال [ ص: 580 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أكل لحم أخيه في الدنيا قرب له لحمه في الآخرة، فيقال له : كله ميتا كما أكلته حيا . فإنه ليأكله ويكلح ويصيح .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد، وابن أبي الدنيا ، وابن مردويه، عن عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امرأتين صامتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلست إحداهما إلى الأخرى فجعلتا تأكلان لحوم الناس، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال : يا رسول الله : إن هاهنا امرأتين صامتا، وقد كادتا أن تموتا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ائتوني بهما . فجاءتا، فدعا بعس أو قدح فقال لإحداهما : قيئي . فقاءت من قيح ودم وصديد حتى قاءت نصف القدح . وقال للأخرى : قيئي . فقاءت من قيح ودم وصديد حتى ملأت القدح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن هاتين صامتا عما أحل الله لهما، وأفطرتا على ما حرم الله عليهما، جلست إحداهما إلى الأخرى فجعلتا تأكلان لحوم الناس .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن أم سلمة، أنها سئلت عن الغيبة فأخبرت أنها أصبحت يوم الجمعة، وغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة، وأتتها جارة لها من نسائه فاغتابتا وضحكتا برجال ونساء، فلم يبرحا على حديثهما من الغيبة [ ص: 581 ] حتى أقبل النبي صلى الله عليه وسلم منصرفا من الصلاة، فلما سمعتا صوته سكتتا، فلما قام بباب البيت ألقى طرف ردائه على أنفه، ثم قال : أف، اخرجا فاستقيئا، ثم تطهرا بالماء . فخرجت أم سلمة فقاءت لحما كثيرا قد أصل، فلما رأت كثرة اللحم تذكرت أحدث لحم أكلته فوجدته في أول جمعتين مضتا، فسألها عما قاءت فأخبرته، فقال : ذاك لحم ظللت تأكلينه، فلا تعودي أنت ولا صاحبتك فيما ظللتما فيه من الغيبة . وأخبرتها صاحبتها أنها قاءت مثل الذي قاءت من اللحم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن أبي مالك الأشعري عن كعب بن عاصم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : المؤمن حرام على المؤمن؛ لحمه عليه حرام أن يأكله ويغتابه بالغيب، وعرضه عليه حرام أن يخرقه، ووجهه عليه حرام أن يلطمه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، والبخاري، في "الأدب"، وأبو يعلى، وابن المنذر ، والبيهقي في "شعب الإيمان" بسند صحيح عن أبي هريرة أن ماعزا لما رجم سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلين يقول أحدهما لصاحبه : ألم تر إلى هذا الذي ستر الله عليه، فلم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلب . فسار النبي صلى الله عليه وسلم ثم مر بجيفة حمار فقال : أين فلان وفلان؟ انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار . فقالا : وهل [ ص: 582 ] يؤكل هذا قال : فما نلتما من أخيكما آنفا أشد أكلا منه، والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد في "الزهد"، والبخاري في "الأدب"، والخرائطي عن عمرو بن العاص، أنه مر على بغل ميت وهو في نفر من أصحابه فقال : والله لأن يأكل أحدكم من هذا حتى يملأ بطنه خير له من أن يأكل من لحم رجل مسلم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري في "الأدب"، وابن أبي الدنيا ، عن جابر بن عبد الله قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى على قبرين يعذب صاحباهما، فقال : إنهما لا يعذبان في كبير - وبكى - أما أحدهما فكان يغتاب الناس، وأما الآخر فكان لا يتأذى من البول . فدعا بجريدة رطبة فكسرها، ثم أمر بكل كسرة فغرست على قبر، فقال : أما إنه سيهون من عذابهما ما كانتا رطبتين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري في "الأدب" عن ابن مسعود قال : من اغتيب عنده مؤمن فنصره جزاه الله بها خيرا في الدنيا والآخرة، ومن اغتيب عنده فلم ينصره جزاه [ ص: 583 ] الله بها في الدنيا والآخرة شرا، وما التقم أحد لقمة شرا من اغتياب مؤمن؛ إن قال فيه ما يعلم فقد اغتابه، وإن قال فيه بما لا يعلم فقد بهته .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد عن جابر بن عبد الله قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتفعت ريح جيفة منتنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتدرون ما هذه الريح؟ هذه ريح الذين يغتابون الناس .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي الدنيا عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا وقع في الرجل وأنت في ملأ فكن للرجل ناصرا، وللقوم زاجرا، وقم عنهم . ثم تلا هذه الآية : أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي في "شعب الإيمان" عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الربا نيف وسبعون بابا، أهونهن بابا مثل من نكح أمه في الإسلام، ودرهم الربا أشد من خمس وثلاثين زنية، وأشد الربا وأربى الربا وأخبث الربا انتهاك عرض المسلم وانتهاك حرمته .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد، وأبو داود، والبيهقي عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ص: 584 ] لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت : من هؤلاء يا جبريل؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد، وأبو داود والبيهقي وأبو يعلى والطبراني والحاكم عن المستورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من أكل برجل مسلم أكلة فإن الله يطعمه مثلها من جهنم، ومن كسي برجل مسلم ثوبا فإن الله يكسوه مثله من جهنم، ومن قام برجل مقام سمعة أو رياء فإن الله يقوم به مقام سمعة ورياء يوم القيامة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه والبيهقي عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يصوموا يوما ولا يفطرن أحد حتى آذن له . فصام الناس، فلما أمسوا جعل الرجل يجيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول : ظللت منذ اليوم صائما، فأذن لي فلأفطر . فيأذن له حتى جاء رجل فقال : يا رسول الله، إن فتاتين من أهلك ظلتا منذ اليوم صائمتين، فأذن لهما فليفطرا . فأعرض عنه، ثم أعاد عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما صامتا، وكيف صام من ظل يأكل لحوم الناس؟ اذهب فمرهما إن كانتا صائمتين أن يستقيئا . ففعلتا، فقاءت كل واحدة منهما علقة، فأتى [ ص: 585 ] النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو ماتتا وبقي فيهما لأكلتهما النار .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن عائشة قالت : لا يتوضأ أحدكم من الكلمة الخبيثة يقولها لأخيه، ويتوضأ من الطعام الحلال؟!

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن ابن عباس وعائشة قالا : الحدث حدثان؛ حدث من فيك، وحدث من نومك، وحدث الفم أشد؛ الكذب والغيبة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن إبراهيم قال : الوضوء من الحدث وأذى المسلم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الخرائطي في "مساوئ الأخلاق" والبيهقي عن ابن عباس أن رجلين صليا صلاة الظهر أو العصر، وكانا صائمين، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة قال : أعيدا وضوءكما وصلاتكما وامضيا في صومكما، واقضيا يوما آخر مكانه . قالا : لم يا رسول الله؟ قال : قد اغتبتما فلانا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الخرائطي، وابن مردويه، والبيهقي عن عائشة قالت : أقبلت امرأة [ ص: 586 ] قصيرة، والنبي صلى الله عليه وسلم جالس قالت : فأشرت بإبهامي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لقد اغتبتها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن مردويه، والبيهقي عن أبي هريرة أن رجلا قام من عند النبي صلى الله عليه وسلم فرئي في مقامه عجز، فقال بعضهم : ما أعجز فلانا! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد أكلتم الرجل واغتبتموه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن معاذ بن جبل قال : ذكر رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : ما أعجزه! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اغتبتم الرجل . قالوا : يا رسول الله، قلنا ما فيه . قال : لو قلتم ما ليس فيه فقد بهتموه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن معاذ بن جبل قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر القوم رجلا فقالوا : ما يأكل إلا ما أطعم، ولا يرحل إلا ما رحل له، وما أضعفه! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اغتبتم أخاكم . قالوا : يا رسول الله، وغيبة بما يحدث فيه؟ فقال : بحسبكم أن تحدثوا عن أخيكم بما فيه .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 587 ] وأخرج أبو داود والدارقطني في "الأفراد"، والخرائطي والطبراني ، والحاكم، وأبو نعيم، والبيهقي، عن ابن عمر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في أمره، ومن مات وعليه دين فليس بالدينار والدرهم، ولكنها الحسنات، ومن خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع، ومن قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال وليس بخارج .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اذكروا الله فإن العبد إذا قال : سبحان الله وبحمده . كتب الله له بها عشرا، ومن عشر إلى مائة ومن مائة إلى ألف، ومن زاد زاده الله ومن استغفر غفر الله له، ومن حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في أمره، ومن أعان على خصومة بغير علم فقد باء بسخط من الله، ومن قذف مؤمنا أو مؤمنة حبسه الله في ردغة الخبال حتى يأتي بالمخرج، ومن مات وعليه دين اقتص من حسناته؛ ليس ثم دينار ولا درهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من رجل يرمي رجلا بكلمة تشينه إلا حبسه الله يوم القيامة في طينة الخبال حتى يأتي منها [ ص: 588 ] بالمخرج .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن الأوزاعي قال : بلغني أنه يقال للعبد يوم القيامة : قم فخذ حقك من فلان . فيقول : ما لي قبله حق . فيقال : بلى ذكرك يوم كذا وكذا بكذا وكذا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه والبيهقي عن أبي سعيد وجابر بن عبد الله قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الغيبة أشد من الزنا . قالوا : يا رسول الله، وكيف الغيبة أشد من الزنا؟ قال : إن الرجل ليزني فيتوب، فيتوب الله عليه، وإن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفرها له صاحبه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الغيبة أشد من الزنا، فإن صاحب الزنا يتوب، وصاحب الغيبة ليس له توبة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي من طريق غياث بن كلوب الكوفي عن مطرف بن سمرة بن جندب، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله يبغض البيت اللحم . فسألت مطرفا : ما يعني باللحم؟ قال : الذي يغتاب فيه الناس . وبإسناده عن أبيه قال : مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل بين يدي حجام - وذلك في رمضان - وهما يغتابان رجلا، فقال : أفطر الحاجم والمحجوم . قال [ ص: 589 ] البيهقي : غياث هذا مجهول .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أربى الربا استطالة المرء في عرض أخيه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن عبد الله بن المبارك قال : إذا اغتاب رجل رجلا فلا يخبره به، ولكن يستغفر الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي بسند ضعيف عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي في "شعب الإيمان" عن شعبة قال : الشكاية والتحذير ليسا من الغيبة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن سفيان بن عيينة قال : ثلاثة ليست لهم غيبة؛ الإمام الجائر، والفاسق المعلن بفسقه، والمبتدع الذي يدعو الناس إلى بدعته .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن الحسن قال : ليس لأهل البدع غيبة .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 590 ] وأخرج البيهقي عن زيد بن أسلم قال : إنما الغيبة لمن لم يعلن بالمعاصي .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي وضعفه، والخرائطي في "مساوئ الأخلاق" والخطيب والديلمي وابن عساكر وابن النجار عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي وضعفه والطبراني من طريق بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس للفاسق غيبة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي وضعفه من طريق بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أترعون عن ذكر الفاجر؟ اذكروه بما فيه كي يعرفه الناس ويحذره الناس .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن الحسن البصري قال : ثلاثة ليس لهم حرمة في الغيبة؛ [ ص: 591 ] فاسق معلن الفسق، والأمير الجائر، وصاحب البدعة المعلن البدعة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحكيم الترمذي، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يجاء بالعبد يوم القيامة فتوضع حسناته في كفة وسيئاته في كفة، فترجح السيئات فتجيء بطاقة فتوضع في كفة الحسنات فترجح بها، فيقول : يا رب، ما هذه البطاقة؟ فما من عمل عملته في ليلي ونهاري إلا وقد استقبلت به . فيقال : هذا ما قيل فيك، وأنت منه بريء . فينجو بذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحكيم الترمذي، عن علي بن أبي طالب قال : البهتان على البريء أثقل من السماوات .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية