الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                والعبد مأمور أن يتوب إلى الله تعالى دائما قال الله تعالى : { وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون }

                وفي صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " { أيها الناس توبوا إلى ربكم فوالذي نفسي بيده إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة } " وفي صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " { إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة } " وفي السنن عن ابن عمر قال : { كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد يقول رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم مائة مرة أو قال أكثر من مائة مرة } "

                وقد أمر الله سبحانه عباده أن يختموا الأعمال الصالحات بالاستغفار فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم من الصلاة يستغفر ثلاثا ويقول " { اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام } "

                [ ص: 254 ] كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عنه وقد قال تعالى : { والمستغفرين بالأسحار } فأمرهم أن يقوموا بالليل ويستغفروا بالأسحار .

                وكذلك ختم سورة المزمل وهي سورة قيام الليل بقوله تعالى : { واستغفروا الله إن الله غفور رحيم } وكذلك قال في الحج : { فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين } { ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم } بل أنزل سبحانه وتعالى في آخر الأمر لما غزا النبي صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك وهي آخر غزواته : { لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم } { وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم }

                وهي آخر ما نزل من القرآن .

                وقد قيل : إن آخر سورة نزلت قوله تعالى { إذا جاء نصر الله والفتح } { ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا } { فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا } فأمره تعالى أن يختم عمله بالتسبيح والاستغفار وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم كان [ ص: 255 ] يقول في ركوعه وسجوده : " { سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي - يتأول القرآن } "

                وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول : " { اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني . اللهم اغفر لي هزلي وجدي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت لا إله إلا أنت } "

                وفي الصحيحين أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه { قال يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي قال : قل : اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم }

                " وفي السنن عن أبي بكر رضي الله عنه { قال يا رسول الله علمني دعاء أدعو به إذا أصبحت وإذا أمسيت فقال قل : اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة رب كل شيء ومليكه أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه وأن أقترف على نفسي سوءا أو أجره إلى مسلم .

                قله إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك
                } " .

                فليس لأحد أن يظن استغناءه عن التوبة إلى الله والاستغفار من الذنوب ; بل كل أحد محتاج إلى ذلك دائما .

                قال الله تبارك وتعالى : { وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا } { ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما } فالإنسان ظالم جاهل وغاية المؤمنين والمؤمنات التوبة وقد أخبر الله تعالى في كتابه بتوبة عباده الصالحين ومغفرته لهم .

                وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " { لن يدخل الجنة أحد بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله ؟ قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل } " وهذا لا ينافي قوله { كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية } فإن الرسول نفى باء المقابلة والمعادلة والقرآن أثبت باء السبب .

                وقول من قال : إذا أحب الله عبدا لم تضره الذنوب .

                معناه أنه إذا أحب عبدا ألهمه التوبة والاستغفار فلم يصر على الذنوب ومن ظن أن الذنوب لا تضر من أصر عليها فهو ضال مخالف للكتاب والسنة وإجماع السلف والأئمة ; بل من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره .

                وإنما عباده الممدوحون هم المذكورون في قوله تعالى { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين } { الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين } { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون }

                التالي السابق


                الخدمات العلمية