الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 54 ] وقال شيخ الإسلام قدس الله روحه فصل المثل في الأصل هو الشبيه وهو نوعان لأن القضية المعينة إما أن تكون شبها معينا أو عاما كليا فإن القضايا الكلية التي تعلم وتقال هي مطابقة مماثلة لكل ما يندرج فيها وهذا يسمى قياسا في لغة السلف واصطلاح المنطقيين وتمثيل الشيء المعين بشيء معين هو أيضا يسمى قياسا في لغة السلف واصطلاح الفقهاء وهو الذي يسمى قياس التمثيل .

                ثم من متأخري العلماء - كالغزالي وغيره - من ادعى أن حقيقة القياس إنما يقال على هذا وما يسميه تأليف القضايا الكلية قياسا فمجاز من جهة أنه لم يشبه فيه شيء بشيء وإنما يلزم من عموم الحكم تساوي أفراده فيه ومنهم من عكس كأبي محمد بن حزم فإنه زعم [ ص: 55 ] أن لفظ القياس إنما ينبغي أن يكون في تلك الأمور العامة وهو القياس الصحيح .

                والصواب ما عليه السلف من اللغة الموافقة لما في القرآن كما سأذكره أن كلاهما قياس وتمثيل واعتبار وهو في قياس التمثيل ظاهر وأما قياس التكليل والشمول فلأنه يقاس كل واحد من الأفراد بذلك المقياس العام الثابت في العلم والقول وهو الأصل كما يقاس الواحد بالأصل الذي يشبهه فالأصل فيهما هو المثل والقياس هو ضرب المثل وأصله - والله أعلم - تقديره فضرب المثل للشيء تقديره له كما أن القياس أصله تقدير الشيء بالشيء ومنه ضرب الدرهم وهو تقديره وضرب الجزية والخراج وهو تقديرهما والضريبة المقدرة والضرب في الأرض لأنه يقدر أثر الماشي بقدره وكذلك الضرب بالعصا لأنه تقدير الألم بالآلة وهو جمعه وتأليفه وتقديره كما أن الضريبة هي المال المجموع والضريبة الخلق وضرب الدرهم جمع فضة مؤلفة مقدرة وضرب الجزية والخراج إذا فرضه وقدره على مر السنين والضرب في الأرض الحركات المقدرة المجموعة إلى غاية محدودة ومنه تضريب الثوب المحشو وهو تأليف خلله طرائق طرائق .

                ولهذا يسمون الصورة القياسية الضرب كما يقال للنوع الواحد ضرب لتألفه واتفاقه وضرب المثل لما كان جمعا بين علمين يطلب منهما علم [ ص: 56 ] ثالث كان بمنزلة ضراب الفحل الذي يتولد عنه الولد ولهذا يقسمون الضرب إلى ناتج وعقيم كما ينقسم ضرب الفحل للأنثى إلى ناتج وعقيم وكل واحد من نوعي ضرب المثل - وهو القياس - تارة يراد به التصوير وتفهيم المعنى وتارة يراد به الدلالة على ثبوته والتصديق به فقياس تصور وقياس تصديق فتدبر هذا .

                وكثيرا ما يقصد كلاهما فإن ضرب المثل يوضح صورة المقصود وحكمه . وضرب الأمثال في المعاني نوعان هما نوعا القياس : " أحدهما " الأمثال المعينة التي يقاس فيها الفرع بأصل معين موجود أو مقدر وهي في القرآن بضع وأربعون مثلا كقوله : { مثلهم كمثل الذي استوقد نارا } إلى آخره وقوله : { مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة } وقوله : { يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب } الآية { ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين } .

                فإن التمثيل بين الموصوفين اللذين يذكرهم من المنافقين والمنفقين المخلصين منهم والمرائين وبين ما يذكره سبحانه من تلك الأمثال [ ص: 57 ] هو من جنس قياس التمثيل الذي يقال فيه : مثل الذي يقتل بكودين القصار كمثل الذي يقتل بالسيف ومثل الهرة تقع في الزيت كمثل الفأرة تقع في السمن ونحو ذلك ; ومبناه على الجمع بينهما ; والفرق في الصفات المعتبرة في الحكم المقصود إثباته أو نفيه وقوله : مثله كمثل كذا . تشبيه للمثل العلمي بالمثل العلمي لأنه هو الذي بتوسطه يحصل القياس فإن المعتبر ينظر في أحدهما فيتمثل في علمه وينظر في الآخر فيتمثل في علمه ثم يعتبر أحد المثلين بالآخر فيجدهما سواء فيعلم أنهما سواء في أنفسهما لاستوائهما في العلم ولا يمكن اعتبار أحدهما بالآخر في نفسه حتى يتمثل كل منهما في العلم فإن الحكم على الشيء فرع على تصوره ; ولهذا والله أعلم يقال مثل هذا كمثل .

                وبعض المواضع يذكر سبحانه الأصل المعتبر به ليستفاد حكم الفرع منه من غير تصريح بذكر الفرع كقوله : { أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر } إلى قوله : { كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون } فإن هذا يحتاج إلى تفكر ; ولهذا سأل عمر عنها من حضره من الصحابة فأجابه ابن عباس بالجواب الذي أرضاه .

                ونظير ذلك ذكر القصص ; فإنها كلها أمثال هي أصول قياس [ ص: 58 ] واعتبار ولا يمكن هناك تعديد ما يعتبر بها لأن كل إنسان له في حالة منها نصيب فيقال فيها : { لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب } ويقال عقب حكايتها : { فاعتبروا يا أولي الأبصار } ويقال : { قد كان لكم آية في فئتين التقتا } إلى قوله : { إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار } والاعتبار هو القياس بعينه كما قال ابن عباس لما سئل عن دية الأصابع فقال هي سواء واعتبروا ذلك بالأسنان أي قيسوها بها فإن الأسنان مستوية الدية مع اختلاف المنافع فكذلك الأصابع ويقال : اعتبرت الدراهم بالصنجة إذا قدرتها بها .

                " النوع الثاني " الأمثال الكلية وهذه التي أشكل تسميتها أمثالا كما أشكل تسميتها قياسا حتى اعترض بعضهم قوله : { يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له } فقال : أين المثل المضروب ؟ وكذلك إذا سمعوا قوله : { ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل } يبقون حيارى لا يدرون ما هذه الأمثال وقد رأوا عدد ما فيه من تلك الأمثال المعينة بضعا وأربعين مثلا .

                وهذه " الأمثال " تارة تكون صفات وتارة تكون أقيسة فإذا كانت أقيسة فلا بد فيها من خبرين هما قضيتان وحكمان وأنه لا بد أن يكون أحدهما كليا ; لأن الأخبار التي هي القضايا لما انقسمت إلى معينة ومطلقة وكلية وجزئية وكل من ذلك انقسم إلى خبر عن إثبات [ ص: 59 ] وخبر عن نفي فضرب المثل الذي هو القياس لا بد أن يشتمل على خبر عام وقضية كلية وذلك هو المثل الثابت في العقل الذي تقاس به الأعيان المقصود حكمها فلولا عمومه لما أمكن الاعتبار لجواز أن يكون المقصود حكمه خارجا عن العموم ; ولهذا يقال : لا قياس عن قضيتين جزئيتين بل لا بد أن تكون إحداهما كلية ولا قياس أيضا عن سالبتين ; بل لا بد أن تكون إحداهما موجبة وإلا فالسلبان لا يدخل أحدهما في الآخر فلا بد فيه من خبر يعم .

                وجملة ما يضرب من الأمثال ستة عشر ; لأن الأولى إما جزئية وإما كلية مثبتة أو نافية فهذه أربعة إذا ضربتها في أربعة صارت ستة عشر تحذف منهما الجزئيتان سواء كانتا موجبتين أو سالبتين أو إحداهما سالبة والأخرى موجبة فهذه ست من ستة عشر والسالبتان سواء كانتا جزئيتين أو كليتين أو إحداهما دون الأخرى ; لكن إذا كانتا جزئيتين سالبتين فقد دخلت في الأول يبقى ضربان محذوفين من ستة عشر . ويحذف منهما السالبة الكلية الصغرى مع الكبرى الموجبة الجزئية ; لأن الكبرى إذا كانت جزئية لم يجب أن يلاقيها السلب ; بخلاف الإيجاب فإن الإيجابين الجزئيين يلتقيان وكذلك الإيجاب الجزئي مع السلب الكلي يلتقيان لاندراج ذلك الموجب تحت السلب العام .

                [ ص: 60 ] يبقى من الستة عشر ستة أضرب فإذا كانت إحداهما موجبة كلية جاز في الأخرى الأقسام الأربعة وإذا كانت سالبة كلية جاز أن تقارنها الموجبتان لكن تقدم مقارنة الكلية لها ولا بد في الجزئية أن تكون صغرى وإذا كانت موجبة جزئية جاز أن تقارنها الكليتان وقد تقدمتا وإذا كانت سالبة جزئية لم يجز أن يقارنها إلا موجبة كلية وقد تقدمت فيقر الناتج ستة والملغى عشرة وبالاعتبارين تصير ثمانية .

                فهذه الضروب العشرة مدار ثمانية منها على الإيجاب العام ولا بد في جميع ضروبه من أحد أمرين إما إيجاب وعموم وإما سلب وخصوص فنقيضان لا يفيد اجتماعهما فائدة ; بل إذا اجتمع النقيضان من نوعين كسالبة كلية وموجبة جزئية فتفيد بشرط كون الكبرى هي العامة فظهر أنه لا بد في كل قياس من ثبوت وعموم إما مجتمعين في مقدمة وإما مفترقين في المقدمتين .

                وأيضا مما يجب أن يعلم أن غالب الأمثال المضروبة والأقيسة إنما يكون الخفي فيها إحدى القضيتين وأما الأخرى فجلية معلومة فضارب المثل وناصب القياس إنما يحتاج أن يبين تلك القضية الخفية فيعلم بذلك المقصود لما قاربها في الفعل من القضية السلبية والجلية هي الكبرى التي هي أعم .

                [ ص: 61 ] فإن الشيء كلما كان أعم كان أعرف في العقل لكثرة مرور مفرداته في العقل وخير الكلام ما قل ودل ; فلهذا كانت الأمثال المضروبة في القرآن تحذف منها القضية الجلية لأن في ذكرها تطويلا وعيا وكذلك ذكر النتيجة المقصودة بعد ذكر المقدمتين يعد تطويلا .

                واعتبر ذلك بقوله : { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } ما أحسن هذا البرهان فلو قيل بعده : وما فسدتا فليس فيهما آلهة إلا الله لكان هذا من الكلام الغث الذي لا يناسب بلاغة التنزيل وإنما ذلك من تأليف المعاني في العقل مثل تأليف الأسماء من الحروف في الهجاء والخط إذا علمنا الصبي الخط نقول : " با " " سين " " ميم " صارت ( بسم فإذا عقل لم يصلح له بعد ذلك أن يقرأه تهجيا فيذهب ببهجة الكلام ; بل قد صار التأليف مستقرا وكذلك النحوي إذا عرف أن " محمد رسول الله " مبتدأ وخبر لم يلف كلما رفع مثل ذلك أن يقول : لأنه مبتدأ وخبر . فتأليف الأسماء من الحروف لفظا ومعنى وتأليف الكلم من الأسماء وتأليف الأمثال من الكلم جنس واحد .

                ولهذا كان المؤلفون للأقيسة يتكلمون أولا في مفردات الألفاظ والمعاني التي هي الأسماء ثم يتكلمون في تأليف الكلمات من الأسماء الذي هو الخبر والقصة والحكم ثم يتكلمون في تأليف الأمثال المضروبة الذي هو " القياس " و " البرهان " و " الدليل " و " الآية " [ ص: 62 ] و " العلامة " . فهذا مما ينبغي أن يتفطن له فإن من أعظم كمال القرآن تركه في أمثاله المضروبة وأقيسته المنصوبة لذكر المقدمة الجلية الواضحة المعلومة ثم اتباع ذلك بالإخبار عن النتيجة التي قد علم من أول الكلام أنها هي المقصود ; بل إنما يكون ضرب المثل بذكر ما يستفاد ذكره وينتفع بمعرفته فذلك هو البيان وهو البرهان وأما ما لا حاجة إلى ذكره فذكره عي .

                وبهذا يظهر لك خطأ قوم من البيانيين الجهال والمنطقيين الضلال حيث قال بعض أولئك : الطريقة الكلامية البرهانية في أساليب البيان ليست في القرآن إلا قليلا وقال الثاني : إنه ليس في القرآن برهان تام فهؤلاء من أجهل الخلق باللفظ والمعنى فإنه ليس في القرآن إلا الطريقة البرهانية المستقيمة لمن عقل وتدبر .

                و " أيضا " فينبغي أن يعرف أن مدار ضرب المثل ونصب القياس على العموم والخصوص والسلب والإيجاب ; فإنه ما من خبر إلا وهو إما عام أو خاص : سالب أو موجب فالمعين خاص محصور والجزئي أيضا خاص غير محصور والمطلق إما عام وإما في معنى الخاص .

                فينبغي لمن أراد معرفة هذا الباب أن يعرف " صيغ النفي والعموم " فإن ذلك يجيء في القرآن على أبلغ نظام .

                [ ص: 63 ] مثال ذلك أن " صيغة الاستفهام " يحسب من أخذ ببادئ الرأي أنها لا تدخل في القياس المضروب ; لأنه لا يدخل فيه إلا القضايا الخبرية وهذه طلبية فإذا تأمل وعلم أن أكثر استفهامات القرآن أو كثيرا منها إنما هي استفهام إنكار معناه الذم والنهي إن كان إنكارا شرعيا أو معناه النفي والسلب إن كان إنكار وجود ووقوع كما في قوله : { وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم } { ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم } الآية وكذلك قوله : { آلله خير أم ما يشركون } وقوله في تعديد الآيات : { أإله مع الله } أي أفعل هذه إله مع الله والمعنى ما فعلها إلا الله وقوله : { أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون } وما معها .

                وهذا الذي ذكرناه الذي جاء به القرآن هو ضرب الأمثال من جهة المعنى وقد يعبر في اللغة بضرب المثل أو بالمثل المضروب عن نوع من الألفاظ فيستفاد منه التعبير كما يستفاد من اللغة ; لكن لا يستفاد منه الدليل على الحكم كأمثال القرآن وهو أن يكون الرجل قد قال كلمة منظومة أو منثورة لسبب اقتضاه فشاعت في الاستعمال حتى يصار يعبر بها عن كل ما أشبه ذلك المعنى الأول وإن كان اللفظ في الأصل غير موضوع لها فكأن تلك الجملة المثلية نقلت بالعرف من المعنى الخاص إلى [ ص: 64 ] العام كما تنقل الألفاظ المفردة فهذا نقل في الجملة مثل قولهم : " يداك أوكتا وفوك نفخ " هو مواز لقولهم : " أنت جنيت هذا " لأن هذا المثل قيل ابتداء لمن كانت جنايته بالإيكاء والنفخ ثم صار مثلا عاما وكذلك قولهم : " الصيف ضيعت اللبن " مثل قولك " فرطت وتركت الحزم وتركت ما يحتاج إليه وقت القدرة عليه حتى فات " وأصل الكلمة قيلت للمعنى الخاص .

                وكذلك " عسى الغوير أبؤسا " أي أتخاف أن يكون لهذا الظاهر الحسن باطن رديء ؟ فهذا نوع من البيان يدخل في اللغة والخطاب فالمتكلم به حكمه حكم المبين بالعبارة الدالة سواء كان المعنى في نفسه حقا أو باطلا إذ قد يتمثل به في حق من ليس كذلك فهذا تطلبه في القرآن من جنس تطلب الألفاظ العرفية فهو نظر في دلالة اللفظ على المعنى لا نظر في صحة المعنى ودلالته على الحكم وليس هو المراد بقوله : { ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل } فتدبر هذا فإنه يجلو عنك شبهة لفظية ومعنوية .

                وهذه الأمثال اللغوية أنواع موجود في القرآن منها أجناسها وهي معلنة ببلاغة لفظه ونظمه وبراعة بيانه اللفظي والذين يتكلمون في علم البيان وإعجاز القرآن يتكلمون في مثل هذا ومن الناس من يكون أول ما يتكلم بالكلمة صارت مثلا ومنهم من لا تصير الكلمة مثلا [ ص: 65 ] حتى يتمثل بها الضارب فيكون هذا أول من تمثل بها كقوله صلى الله عليه وسلم { الآن حمي الوطيس } وكقوله : { مسعر حرب } ونحو ذلك ; لكن النفي بصيغة الاستفهام المضمن معنى الإنكار هو نفي مضمن دليل النفي ; فلا يمكن مقابلته بمنع وذلك أنه لا ينفي باستفهام الإنكار إلا ما ظهر بيانه أو ادعي ظهور بيانه فيكون ضاربه إما كاملا في استدلاله وقياسه وإما جاهلا كالذي قال : { من يحيي العظام وهي رميم } .

                إذا تبين ذلك فالأمثال المضروبة في القرآن منها ما يصرح فيه بتسميته مثلا ومنها ما لا يسمى بذلك { مثلهم كمثل الذي استوقد } والذي يليه { إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها } { ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق } { ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم } { مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله } { لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس } الآية { ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله }

                . والذي بعده ليس فيه لفظ مثل { كدأب آل فرعون } في الثلاثة { قد كان لكم آية } { مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا } وقوله : { أرأيتم إن أخذ الله سمعكم } . [ ص: 66 ]

                ومن هذا الباب قوله : { ولا أقول لكم } الآية ويسمى جدالا { فمثله كمثل الكلب } - إلى قوله - { ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا } { إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء } الآية { مثل الفريقين كالأعمى والأصم } { إلا كباسط كفيه إلى الماء }

                وقول يوسف { أأرباب متفرقون } { قل هل يستوي الأعمى والبصير } الآية { أنزل من السماء ماء } إلى قوله : { كذلك يضرب الله الأمثال } { مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار } { مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح } { ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة } إلى آخره { وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال } { للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى } { فلا تضربوا لله الأمثال } { ضرب الله مثلا عبدا مملوكا }

                والذي بعده { وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة } { انظر كيف ضربوا لك الأمثال } في موضعين { ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا } بعد أدلة التوحيد والنبوة والتحدي بالقرآن { واضرب لهم مثلا رجلين } القصة { واضرب لهم مثل الحياة الدنيا } { ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا } ينبه على أنها براهين وحجج تفيد تصورا أو تصديقا { ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء } { يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له } { ومثلا من الذين خلوا من قبلكم } { مثل نوره } - إلى [ ص: 67 ] قوله - { ويضرب الله الأمثال للناس } { والذين كفروا أعمالهم كسراب } المثلين مثل نور المؤمنين في المساجد وأولئك في الظلمات

                { ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا } - ف " التفسير " يعم التصوير ويعم التحقيق بالدليل كما في تفسير الكلام المشروح - { مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء } الآية { وتلك الأمثال نضربها للناس } { وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض } { ضرب لكم مثلا من أنفسكم } { ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ولئن جئتهم بآية } الآية { واضرب لهم مثلا أصحاب القرية } { فإذا هو خصيم مبين } { وضرب لنا مثلا ونسي خلقه } وقوله : { إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة } { ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل } إلى قوله { ضرب الله مثلا رجلا } { ولما ضرب ابن مريم مثلا } إلى آخره لما أوردوه نقضا على قوله : { إنكم وما تعبدون من دون الله } فهم الذين ضربوه جدلا { الذين كفروا وصدوا } إلى قوله : { كذلك يضرب الله للناس أمثالهم } { كمثل الذين من قبلهم قريبا } { كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر } { لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال } { مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها } الآية { ضرب الله مثلا للذين كفروا } و للذين آمنوا { وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا } { كأنهم إلى نصب يوفضون } { كالفراش } و { كالعهن } .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية